قرار «ظالم وجائر ومتسرع بحق كل الديريين» هكذا وصف بعض العائدين من دير الزور قرار رئاسة الحكومة القاضي بإعادة الموظفين في دير الزور إلى أماكن عملهم.
يسرى ديب | ترافق القرار الذي صدر مطلع هذا الشهر بتقديم عرض سخي من الحكومة وهو النقل المجاني للعائدين، لكن كيف كان الواقع الفعلي عند الوصول إلى موطنهم؟
المتحدثون وخشية الغضب منهم وعليهم، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، لكن الوقائع ثابتة، ويعرفها من يجب أن يعرفها.
هناك غياب لكل خدمات البنية التحتية التي تجعل عوامل الحياة ممكنة
يقول أحدهم: «هل تعتقدين أن هناك من لا يريد العودة إلى بلده؟ .. لكن ثمة قهر لنا .. عبر تلك الطريقة، الجميع يريد هذا اليوم، ولكن ليس بالطريقة التي أرغمنا بها على ذلك، فهناك غياب لكل خدمات البنية التحتية التي تجعل عوامل الحياة ممكنة، إذ لا كهرباء وتالياً لا ماء ولا مقومات أساسية للحياة»
هذا الأمر لا يقتصر على المناطق التي تحررت من الإرهابيين، والتي ما زالت عبارة عن أكوام من الركام، ولكنه يشمل الحيّين الوحيدين اللذين يجب على كل العائدين إلى دير الزور أن يقصدوهما، وهما: القصور والجورة.
الإيجارات مرتفعة .. والناس يقصدون كل مساحة ممكنة للعيش: الجوامع .. الشوارع..
نحو 25 ألف موظف من قطاع التربية فقط عليهم مغادرة الأماكن التي استقروا فيها خلال سنوات الحرب، والعودة إلى ديارهم في دير الزور على وضعها الراهن، تقول إحدى العائدات من هناك إن الناس قصدت كل المساحات الممكنة للعيش، فهناك أناس في الجوامع وآخرون في الشوارع، وحيث لا أماكن تتسع لكل أهل الدير العائدين إلى وطنهم بالقوة، الأمر الذي ضاعف من أسعار إيجارات المنازل.
تقول إحدى المدرسات إنها تركت ولديها الصغيرين مع زوجها في بيتهم المستأجر بدمشق، وتوجهت لتنفيذ قرار رئاسة الحكومة، عدد سنوات خدمتها في الوظيفة لا يؤهلها للتقاعد، ولا يوجد في هذه الأيام سوريون يمكنهم الاستغناء عن دخل وظيفة، وأيضاً لا يمكنها أن تستأجر منزلين في دمشق والدير، ومن غير الممكن اصطحاب أطفالها للعيش هناك فالبيئة غير صحية.
تقول تلك المدرسة إنها اضطرت للنزول عند إحدى قريباتها هناك كما فعل الكثير من العائدين، وهذا الأمر شكل ضغطاً كبيراً على الأسر المقيمة هناك والتي أرهقها الحصار الذي عاشت معه كل تلك السنوات.
الجميع يصاب بالسعال
شاعت المولدات في كل المناطق التي غابت عنها الكهرباء ومنها دير الزور، هذه المولدات تدور من الساعة الرابعة بعد الظهر وحتى العاشرة مساء، وخلال هذا الوقت تنفث «دخاناً قاتلاً»، كما يصفه عائدون من هناك، وتصدر ضجيجاً لا يمكن تحمله لذا تجد كل العائدين مصابين بالسعال.
تقول إحدى السيدات: «عندما وصلت إلى الدير فوجئت بلون الوجوه والأجسام الأسود، ولكن بعد يومين على إقامتي هناك أصبح لوني مثلهم»، وترى أن السبب يعود للدخان المنطلق من تلك المولدات، ولأن الماء الساخن غير متوافر يصبح التخلص من بقايا تلك الأبخرة صعب وغير متاح.
«عندما وصلت إلى الدير فوجئت بلون الوجوه والأجسام الأسود، ولكن بعد يومين على إقامتي هناك أصبح لوني مثلهم»
ولأن حالة الكهرباء هكذا، شاعت عادات جديدة كأن يجمع غسيل عدد من المنازل ويُغسل بالأجرة على غسالات نصف أوتوماتيكية، ثم تأخذ كل أسرة مخصصاتها دون تنشيف ليقوموا «بعصرها» يدوياً، أما شحن الجوال فيصل إلى 150 ليرة عند أصحاب الأمبيرات. تصل تسعيرة الأمبير الواحد إلى ألفي ليرة، أما الثلاث أمبيرات فتصل لستة ألاف، وهو الحد الأقصى المتاح، أي المخصص أسبوعياً.
قبل الوصول
كثر يعملون على استغلال أهل دير الزور، فالعائدون، ومنذ اللحظة التي ينوون فيها التوجه إلى مراكز الانطلاق، تبدأ مشاريع استثمارهم إذ أن تسعيرة البولمانات التي ستنقل الركاب محددة بنحو 6 آلاف ليرة، إلا أنهم يتقاضون 10 آلاف ليرة، رغم أنهم يحصلون على محروقات مدعومة.
أما زمن الرحلة فلا يقل عن 14 ساعة، الأمر الذي يتسبب بإرهاق كبير للمسافرين كما قالوا.
أما المشهد الذي ينظرون إليه بكثير من الاستنكار فهو اكتشافهم بأنهم عدد فائض لا حاجة للمدينة به في قطاع التربية مثلاً، إذ أن عدد المدارس المؤهلة في الدير لا تزيد عن السبعة، وهذا يعني أن كل مدرسة تصل مخصصاتها إلى ما يتراوح بين 2500 ـ 3000 معلم، وأن عدد الطلاب في كل شعبة يتراوح بين 80 ـ 90 طالباً، ولأنه لا يوجد مقاعد يفترشون حقائبهم ويجلسون عليها.
مما بقي!
وهناك .. كيف تجدون حال بيوتكم؟
يقول أحد العائدين إنه عندما قصد بيته وبيت أهله في منطقة الحميدية عثر على قطعة واحدة منه: «صينية» لم تصلها أيدي العفيشة، ولهؤلاء قصصهم كما في الكثير من المناطق، إذ أن المنازل التي تحررت من داعش تعرضت لثلاث مراحل من السرقات، بدأت بسرقة الأسلاك الكهربائية من المنازل، (يتم حرقها للحصول على النحاس بداخلها)، وبعد الانتهاء من أسلاك الكهرباء، بدأت سرقة النحاسيات التي يتميز أهل الدير باقتنائها كصمديات أو معدات للطبخ، أما المرحلة الثالثة فهي لمعدات الألمنيوم، حيث توجد تلال من الألمنيوم بكل أنواعه سواء معدات طبخ أو «منجور» البيوت ليصار إلى ترحيلها، ليبدأ دور الخشب والموبيليا، بحيث تصبح كل البيوت ما بين محروقة ومعفشة ومهدمة أيضاً.