الإصلاحية | فاصل سياسي |
فيما كانت مصادر كرديّة سوريّة تؤكّد من داخل عفرين أنّ القوات السورية قد باشرت انتشارها في المنطقة، سارع الرئيس التركي رجب طيب أدروغان إلى القول إنّ «القوات تراجعت عن الدخول بسبب القصف المدفعي (التركي)»، وإنّه قد توصل مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني إلى «اتفاق بشأن عفرين». ولا يبدو مستغرباً أن تستدعي تطورات عفرين الأخيرة حراكاً إقليمياً رفيع المستوى، فهي مؤهلةٌ لتكون فاتحةً صفحة جديدة لكل ما يتعلق بمستقبل الشمال السوري بأكمله
وعلى الرغم من أنّ الخطوة تأخّرت شهراً كاملاً عن بدء العدوان التركي، فإنّ «مفتاح فهم أبعادها موجودٌ في البيان الذي تلاه نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، قبل شهرٍ كامل»، على ما يقول المصدر نفسه. وكانت تصريحات المقداد وقتها قد حذّرت أنقرة من أنّ «سوريا ستقابل أي تحرك تركي عدواني أو بدء عمل عسكري تجاه الجمهورية العربية السورية بالتصدي الملائم». لكنّ أنقرة لم تأخذ التحذيرات السوريّة المذكورة على محمل الجد، رغم أنّها بدت أشبه بفخّ لـ«الصلف التركي»، ويمكن القول إنّ العدوان التركي قد مهّد الطريق أمام عودة العلم السوري إلى المنطقة التي تبلغ مساحتها الكليّة 3850 كيلومتراً مربعاً (ما يقارب 2% من مساحة سوريا). ولا يبدو وارداً أن تقبل دمشق بعد اليوم بإعادة تجربة إخلاء المنطقة بشكل تام من الوجود العسكري لمصلحة «وحدات حماية الشعب»، لا سيّما أنّ المعطيات اليوم تختلف بصورة تامّة عن نظيرتها في عام 2012. وربّما كانت الحالة الوحيدة التي تنطوي على احتمالات معاكسة هي استمرار العدوان التركي، ونجاحه في احتلال كامل المنطقة، وهو سيناريو يعني بصورةٍ فعليّة اشتعال حربٍ إقليميّة واضحة ومباشرة. وكما استقطبت عفرين اهتمام العالم إبّان بدء العدوان التركي، فعلت ذلك أمس، لا سيّما أنّ دخول القوات السورية جاء بالتزامن مع تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنّ «القوات المسلحة التركية سوف تتوجه خلال الأيام المقبلة بشكل أسرع لحصار مركز مدينة عفرين»، فيما بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «مع أعضاء مجلس الأمن الروسي الوضع في سوريا وتطورات عفرين»، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام روسيّة عن المتحدث باسم الكرملن ديمتري بيسكوف. وبدا لافتاً ما أكّدته إلهام أحمد، «الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطيّة»، حول وجود «رضى أميركي بالخطوة». وقالت أحمد إنّ «القوات الداخلة ستنتشر على الحدود للقيام بواجبها في الدفاع عن حدود الدولة»، ورأت أنّ «هذه الخطوة في حال نجاحها ستفتح صفحة جديدة من العلاقة مع دمشق، وقد تُمهّد لحل سياسي أيضاً». ويترافق كلام أحمد مع استياء كردي واضح من الموقف الروسي من تطورات عفرين، عكسته تصريحات عدّة، من بينها ما أكدته أحمد نفسها من أنّ «موسكو تسعى إلى استثمار الحقد التاريخي لتركيا في مواجهة الكرد لتكمل مشروعها التقسيمي للأراضي السورية».
بدوره، يرى «المستشار الإعلامي لوحدات حماية الشعب» ريزان حدو أنّ «الموقف الروسي كان غامضاً منذ اليوم الأول للعدوان؛ عفرين كانت تحتوي مركز مراقبة روسيّاً، وكان يفترض به منع العدوان وقصف المدنيين، لكنّ ذلك لم يحصل، لماذا؟ من الأفضل توجيه هذا السؤال للمعنيين الروس».
يؤكد حدو أنّ تأخر دخول القوات مرتبطٌ بأسباب لوجستيّة وتقنيّة فقط، وأن التصعيد التركي الذي تمثّل بقصف مناطق عبور القوات «جزءٌ من هيستيريا ما بعد الصدمة. فأنقرة تدرك أن دخول الجيش السوري إلى عفرين ينهي أحلامها التوسعيّة في المنطقة». لا يفضّل «المستشار» استخدام مصطلح «اتفاق» لدى الحديث عن دخول القوات السورية. يرى أنّ «القوات التي دخلت هي قوات سوريّة، ووحدات حماية الشعب قوات سوريّة، وعفرين أرضٌ سوريّة، كل ما في الأمر أنّ دخول قوات جديدة استدعى التنسيق مع قيادة الجيش السوري، وكل القوات ستواصل قيامها بواجباتها ومهامها الوطنية في التصدي للاحتلال التركي».
ويوضح حدو أن «الوحدات منذ بدء العدوان تتلقى الدعم اللوجستي من الحكومة السورية وحلفائها الصادقين، لأننا قوة سورية مقاومة تتصدى للاحتلال». ويؤكد أنّ البحث في التفاصيل السياسية والإداريّة قد أُرجئ في الوقت الراهن، «نحن في حالة حرب، والأولوية لردع الاحتلال. سنصل إلى تفاهمات حول كل التفاصيل الأخرى عن طريق الحوار. عفرين جزء من الدولة السورية ودمشق عاصمة الدولة.
علاقة عفرين مع المركز ستكون مماثلة لعلاقة أي جزء من سوريا مع العاصمة، وسواء كان شكل الدولة فدراليّاً، أو مركزيّاً، هذا يقرره الشعب السوري بالحوار ونلتزم به». يشدد حدو على أنّ «وحدات الحماية في عفرين ليس لديها أي تواصل مع الأميركان، لا في شأن العلاقة مع دمشق ولا في أي شأن آخر»، ويؤكد في الوقت نفسه على مركزية دور طهران في المنطقة، «وهذا ثابت في كل الملفات الساخنة، ونعتقد أنها لعبت دوراً فعّالاً في دفع التنسيق بيننا وبين الجيش السوري نحو الأمام». وعلى الرغم من تركيز وسائل الإعلام السورية الرسمية على أن القوات التي دخلت عفرين هي «قوات شعبيّة»، يحرص حدّو على التمسّك بأن التنسيق في هذا الشأن «يتم مع الجيش السوري، والجيش يُرسل القوات التي يراها مناسبة».رسائل «استراتيجيّة» من عفرين
يؤكّد «المستشار الإعلامي لوحدات حماية الشعب في عفرين» أنّ «قرار الوحدات في أيدي الأكراد السوريين حصراً، والدور الكردي في معركة عفرين تتولاه وحدات الحماية في عفرين». يقول حدو لـ«الأخبار» إنّ «الحديث عن دور لجبال قنديل في صياغة التفاهمات مع الجيش السوري ليس دقيقاً». يبدو لافتاً حرص حدو على التطرق إلى علاقة «وحدات حماية الشعب / YPG» بـ«حزب العمال الكردستاني / PKK»، ويقول «نحن كحركة سياسية وعسكرية نتبنى أفكار المناضل والمفكر عبد الله أوجلان، فهو مفكر لكل شعوب المنطقة وللشعب الكردي، الأمر مشابه لتبنّي كثير من الحركات اليسارية أفكار كارل ماركس، ولكن الشيوعية الصينية تختلف عن الشيوعية الروسية مثلاً». يهدف حدو إلى نفي وجود علاقة تنظيمية بين الطرفين، ويضيف «الحديث المستمر عن تبعيتنا لحزب العمال يهدف إلى إلباسنا ثوب الإرهاب المزعوم الذي يوصمُ حزب العمال زوراً به». يستفيض «المستشار» في شرح «التصور الكردي لمستقبل الأكراد في سوريا»، ويشير إلى أن «مشروعنا لسوريا وللشرق الأوسط هو مشروع الأمة الديموقراطيّة، الذي يدعو إلى حلّ جذري شامل لمشكلات المنطقة بأسرها، ويتشابه مع مشروع البحار الخمسة الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد». التشابه وفقاً لحدّو ينبع من تركيز المشروعين على «اتحاد شعوب المنطقة في شكلٍ لا مركزيّ إداريّاً، لكنه مركزي في السياسات الخارجية والاقتصادية والدفاعيّة، مع إعطاء كل مكون وشعب حقوقه السياسية والاقتصادية والثقافية». وتأسيساً على ذلك يرى حدو أنّ عداء أنقرة للمشروعين «طبيعي»، ومردّ ذلك إلى أن «جماعة الإخوان المسلمين هي صنيعةٌ بريطانيّة هدفها منع التقاء شعوب المنطقة على مشروع واحد، و(الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان يقود حزباً تابعاً للإخوان وملزماً بتنفيذ هذه السياسات العدائية».
جريدة الاخبار