وكالات | ولشدة الغرابة قد يفكر المستمع بفحص لهجة المتحدث لعله مسؤول سوري سابق لكنه كان روسيا أصلا وفصلا.
يحمل هذا الزعم معان كثيرة لمن يفقهون موقع روسيا العظيم في السياسة العالمية فكيف لتلك القوة العظمى أن تحتاج للتعلم من دولة صغيرة نسبيا بحجم سورية الاقتصادي؟
يروي المتحدث المتقاعد المتحفظ عن ذكر إسمه، ها هنا فيقول:
عام 2000 تولى الرئيس الروسي الحالي مهمة رئيس إتحاد جمهوريات روسيا الفيدرالية، بعدما قضى فترة في جهاز الأمن الفيديرالي، الذي ورث جهاز الـ”كي جي بي” الشهير، واصبح رئيسا لذاك الجهاز عام 1998 وحصل ذلك قبل سنتين فقط من انتقاله في المناصب رئيسا للحكومة ثم رئيساً.
رافق بوتين في مسيرته صعودا الى الرئاسة صديقه وقدوته الشخصية يفغيني بريماكوف الذي كان ضليعا بالعالم العربي وبالسياسات الدولية وعقلا اقتصاديا فذاً.. (يتابع المتحدث روايته):
في الولاية الرئاسية الأولى تلك “طلب الرئيس من معاونيه ومستشاريه حلا اقتصاديا للوضع المزري لخزينة الدولة وكان يفغيني بريماكوف قد مارس دورا ً إنقاذيا من خلال موقعه السابق رئيسا للحكومة في آخر أيام يلتسين.
قدم بريماكوف للرئيس بوتين دراسة تلقاها الأخير بكثير من الاستغراب وكان فيها تفاصيل عن تجربة الرئيس حافظ الاسد في جمع ثروة هائلة لبلاده من النقد الأجنبي وتأمين كل ما يلزم لشعبه دون موارد حقيقية.
وقارن يفغيني بريماكوف في دراسته بين سورية الفقيرة التي جمعت مليارات من لا شيء وبين وروسيا الغنية بالمواد والطاقات الهائلة معتبرا أنه ” إذا استطاع رئيس دولة متل سورية أن يبني اقتصادا خدماتيا لشعبه وهو محاصر ولا يملك اي موارد فعالة فان روسيا تستطيع فعل ما هو اكثر بكثير في ظل بنيتها التحتية والعلمية والبشرية والموارد الهائلة التي تمتلكها .
واعتبر بريماكوف في دراسته المقارنة أنه يمكن للدولة الروسية أن تقود الاقتصاد دون ان تورط نفسها في قيام نظام إشتراكي من جديد ودون أن تترك شروط السوق تتسبب في انتقال ملكية الثروات والمشاريع الاقتصادية الاستراتيجية من الشعب إلى القتلة الاقتصاديين الأجانب تحت إسم المستثمرين والاسثتمار.
وأكد بريماكوف أن نجاح أي خطة انقاذ يجب أن تضمن عدم السماح لأصحاب الاستثمارات الأجانب بسرقة إقتصاد البلاد وموارده من خلال السيطرة عليها بسبب حاجة الدولة الى اموال الاستثمارات الخارجية”.
ويتابع المصدر: غرض بر يماكوف على الرئيس بوتين كيف إنشاء جيش إقتصادي يعمل وفق نظرية السوق الرأسمالية لكن ناتج أعمال هؤلاء واستثماراتهم في الافتصاد الروسي بالاشتراك مع الاستثمارات الاجنبية ليست سوى عمل ووظيفة لصالح الدولة مباشرة.
أي أن جيشا من الاثرياء علنا لا يملكون ثرواتهم بل هي ملك الدولة التي تسيطراً سرا على الاستثمارات الخارجية القادمة إلى البلاد عبر أدواتها السرية هذه..
كانت روسيا في ذلك الوقت فقيرة وضعيفة بعد عقد على انهيار الاتحاد السوفياتي ووراثة روسيا الفيدرالية اقتصادا ضعيفا مرتبطا بالاستثمارات الغربية وبالطاقة التي تبيعها موسكو لأوروبا إلى حد أن أموال الطاقة كانت هي المدخول الثابت والمضمون الوحيد للدولة لكنه كان مدخولا غير كاف في ظل تهرب كبار الرأسماليين من الضرائب وفساد النظام المصرفي واستيلاء المسؤولين الشيوعيين السابقين بالاشتراك مع المافيات على المصانع والشركات الكبرى.
وطلب بوتين من صديقه صاحب الخبرة في الاقتصاد أن يترأس خلية سرية ويسخر لنفوذه ” غرفة تجارة وصناعة روسيا” نيابة عن الدولة وأن يطلق في عالم الاستثمارات رجالا ” قتلة اقتصاديين” لا يمكن لأي مستثمر اجنبي في روسيا أن يعمل إلا بالتوافق والشراكة معهم (على النمط السوري حرفيا).
هذا الحديث مع المصدر الروسي كان مضمونه أقرب إلى الخيال منه إلى التصديق إلى أن خرج علينا الاعلام والسوشال ميديا بتصريح لوزير المالية الأسبق محمد المهايني جاء فيه بعض ما جاء في حديث المصدر الروسي عن الاستثمار في سورية والاحتياط الاستراتيجي.
وزير المالية السوري الأسبق محمد المهايني قال لصحيفة سورية الكترونية قبل أسبوعين “ان السياسة المالية التي كانت تعتمدها الدولة وبناء على توجيهات مباشرة من الرئيس الراحل حافظ الأسد أدت إلى امتلاك سورية لرصيد قوي وغير معلن يستطيع ان يقاوم بظروف الحرب”. وقدر الوزير السوري الاسبق حجم الثروة المالية السورية بمئة مليار دولار!
وتابع الوزير السوري الأسبق قائلا: “كنا نحوّل سنويا الى الرصيد الاستراتيجي المالي للمستقبل مبلغ 5 مليار دولار تقريبا سنويا وعندما تركت الوزارة كان في المخزون الاستراتيجي 40 مليار دولار لا يدخلون في اي حساب وانما هم يخضعون الى قرار مباشر من الرئاسة وكان لدى سورية مخزونا معلنا في المصرف المركزي بقيمة 14 مليار دولار بالاضافة الى 18 طن ذهب”.
واضاف الوزير السابق استمرت نفس السياسة بعهد الرئيس بشار الاسد والاوامر نفسها وفي بدء الازمة السورية والحرب علينا كنا نملك رصيدا استراتيجيا يصل الى حوالي 100 مليار دولار منها 24 طن من الذهب وتقريبا 70 مليار دولار نصفها عملات اجنبية متنوعة ومخازين غذائية استراتيجية.
وتابع الوزير السوري الأسبق للمالية فقال: ان الحاجة السورية للاستيراد تتراوح قيمتها ما بين 3 الى 4 مليار دولار سنويا وهذا يعني ان الاقتصاد السوري يستطيع ان يصمد اكثر من عشرين سنة اذا لم يدخل الى الخزينة اية اموال فكونوا مطمئنين وما يجري على سعر الصرف هو يخضع للسياسة وليس للاقتصاد.
هذا التصريح شبه الرسمي من رجل دولة سوري يتقاطع مع معلومات نسبها مقال لرجل أعمال كويتي عاش في سورية وعمل فيها وجمع محافظ استثمارية كبيرة وشارك في مشاريع سورية كبرى ممثلا مستثمرين كويتيين وسعوديين وقطريين (عبد الحميد دشتي) ودشتي نشر مقالا عن ” القاتل الاقتصادي” في عام 2011 جاء فيه:
– منذ العام 1970 بدأت الحكومة السورية بدعم الفلاحين والصناعيين والحرفيين بكل طاقتها لتأمين كل ما يحتاجه البلد من انتاجه سواء بالنسبة للقمح أو المواد الغذائية الاستراتيجية والثروات السمكية والماشية والتصنيع الشامل بحيث لا تضطر الدولة لاستيراد أي شيء من خارج البلاد.
– فرزت الدولة رأسمالا منتجا وجعلت قطاعات استراتيجية اقتصادية بيد مجموعة صغيرة موظفة بالكامل في خدمة الدولة سرا وتعمل وفقا لشروط السوق الحرة علنا فبرزت تلك المجموعة اقتصاديا بصفتها صاحبة مواقع رسمية حينا أو مشغلة لاستثمارات شخصية حينا آخر.
ويتابع دشتي في حديثه السابق فيقول:
وممن عملوا في رعاية الشخصيات التنفيذية لهذه الخطة المساعد الابرز للرئيس الراحل حافظ الأسد في مجال الاقتصاد الذي تولى اكثر من منصب في هذا المجال ” السيد محمد مخلوف” الذي ساهم مع أمثاله في نهضة سورية الاقتصادية وتحمل الاتهامات ولا يزال مع أنه لم يجن لنفسه واحد بالمئة مما جناه للاجيال السورية وللدولة التي عمل لها طوال حياته وحافظ على أسرارها رغم الحملات الشديدة عليه وعلى عائلته.
– بعدما تولى الرئيس السوري بشار الأسد السلطة بأيام أمر بتوسيع المجالات التي تسيطر عليها الدولة في عالم الاستثمارات بحيث أن لا يؤدي فتح الاسواق للاستثمارات الخارجية إلى سيطرة المال التابع لدول خليجية أو أوروبية على القطاعات الاستراتيجية في سورية لانه قد تصبح تلك الاستثمارات ملكا لدولة معادية في أي وقت ان اختلفت سورية سياسيا مع حكومات المستثمرين.
و أكمل الرئيس السوري بشار الأسد ما فعله الرئيس السابق حافظ الأسد حيث أصبح هناك قطاع كبير من الاستثمارات الاقتصادية ممول بالاستثمارات الخارجية لكن بشراكة رجال اعمال محليين هم في الواقع أدوات الدولة للحفاظ على الأمن الاقتصادي للبلاد.
و تحت سيطرة الدولة ووفقا لشروط السوق الرأسمالية الحرة ووفقا لقوانين الاستثمارات المفتوحة لرجال المال الاجانب زادت سورية من مخزونها المالي الاستراتيجي (الذي تحدث عنه الوزير المهايني) عبر رجال موثوقين من قبل الرئيس شخصيا يحرصون وتحرص الحكومة على ان يكونوا شركاء بالاغلبية من الاسهم في أي مشروع استثماري استراتيجي يدخل في تمويله رأسمال أجنبي فكان أن برز عدد من كبار الرأسماليين الحلبيين والدمشقيين في عالم المال لكنهم في الواقع ليسوا سوى ” كتيبة الحفاظ على الاستثمارات السورية من سيطرة الغزو المالي الخليجي لها”.
كلام يستحق التفكر والتفكير فليس كل ما نراه هو عين الحقيقة فالمصالح الكبرى تطلب أسراراً كبرى.
أنباء آسيا – ياسر خضر + قناة العالم