الاصلاحية | منصة التحكيم |
مؤخراً توصلت حكومة المهندسين إلى ما قالت إنها آلية جديدة لفرز “المهندسين”، ونقول حكومة المهندسين على اعتبار أن معظم وزرائها يحملون شهادات هندسة، وعلى رأسهم المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء.
فهد كنجو | هنا لا نود الغوص كثيراً في الالية المبتكرة على حد اعتقاد الفريق الوزاري المنضوي تحت ما يسمى لجنة رسم السياسات والبرامج الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء لاستثمار أمثل لمخرجات كليات الهندسة في سوق العمل “العام”، طالما أن الآلية لم تخرج عن كونها معالجة لنتائج (غزارة الانتاج وسوء التوزيع عبر عقود) ودون النظر للأسباب التي أدت وتؤدي إلى تحييد الكوادر الهندسية عن مسارات البناء والتنمية، إلى مكاتب البطالة المقنعة!.
الدولة السورية تشجع على التعليم، لأجل ذلك خلقت فرص متساوية لمختلف طبقات المجتمع للتحصيل العلمي عبر مجانية التعليم، تماماً كما فعلت في نهجها الاقتصادي “الزراعي” بأن وزعت الأراضي على الفلاحين ليعملوا بها، عاملان أسهما بتحقيق وفرة في الكوادر البشرية المتعلمة، كذلك وفرة في الانتاج الزراعي.
“مثلا” منذ عقدين من الزمن اتجه الفلاحون في المناطق الساحلية لزراعة الحمضيات، وتحت أعين ورقابة الارشاديات الزراعية والروابط الفلاحية ترعرعت ببيارت البرتقال والليمون، وعندما أينعت وحان قطافها، ارتبكت الجهات التنفيذية في كيفية تصريف المحصول وعقدت مئات الاجتماعات، ومن أجل التنفيس عن الفلاح المحتقن بحامضه، كانت المعالجات عبارة عن وعود بإنشاء مراكز الفرز والتوضيب، ريثما نوفق بمستثمر “ابن حلال” يتصدى لانشاء معمل عصائر، أو حتى سوق صديق يتقبل حموضتنا وحامضنا، ولا مرة اعترفت وزارة الزراعة في أي من الحكومات المتعاقبة أن ثمة مشكلة بنوعية الحمضيات المنتجة، عن سبب تمنع الأسواق الخارجية عن استقبال حمضياتنا الزائدة عن حاجات سوقنا المحلية، عن سبب كساد المواسم وخسارة الفلاح .. الخ، المشكلة وفق خبراء في هذا المجال أن منتجاتنا من الحمضيات في غالبيتها هي نوعيات رديئة أو على الأقل غير منافسة، الرديء وغير المنافس لن ينفع معه لا الفرز ولا التوضيب ولن يجد طريقه إلى معمل العصائر ولا إلى الأسواق الخارجية، ربما توزعه وزارة التموين بالمجان ضمن وصفاتها لدعم صحة المستهلك الفقير بيفتامين “سي”!!.
كذلك تفعل حكومة المهندسين مع مسألة مخرجات كلية الهندسة، سنوياً يتخرج آلاف المهندسين، من مختلف الاختصاصات، أغلبهم إن لم نقل كلهم يحظون بفرصة عمل في القطاع العام بحكم الإلتزام، ثم تبدأ عمليات الفرز (ويا رب تجي في عينو)، بعد الفرز ثمة فرز آخر في المؤسسات التي تستقبلهم، وهنا فرز مزاجي !.
طبعاً آلية “الفرز” الجديدة التي تود الحكومة الحالية أن تضعها في ميزان حسناتها لم تختلف عما كان معمول به سابقاً سوى أنها أضافت ما يمكن التعبير عنه بكلمة “توضيب”، مهندس للكهربا لوزارة الكهربا، والبتروكيما للنفط، والغزل والنسيج للصناعة، والمعلوماتية للاتصالات، والزراعة للزراعة.. الخ!، تعتقد لجنة سياسات مجلس الوزراء أن ذلك حل المشكلة أو على الأقل هكذا سوق الإعلام للآلية، بالمناسبة الإعلام الرسمي وبعض الخاص جاهز لتسورق “زيوان” الحكومة على أنه “قمح” نخب أول !.
منذ سنوات ونقابة المهندسين تعيد تدريب المهندسين من ذوي الاختصاصات الضيقة، مصادر في النقابة تؤكد رغبة هذه الشريحة من الخريجين باتباع دورات “مهندس إنشائي” يقولون إن هذه الدورات تجعلهم أكثر قبولاً في سوق العمل الخاص، على اعتبار أن وظيفة الدولة مأمنة وفق اختصاصهم الحالي، ذلك لم يمنع كليات الهندسة من الاستمرار في تخريج هذه الاختصاصات الضيقة، وتفريخ اختصاصات أخرى، تجعل كثير من الوزرات والجهات العامة في حيرة من أمرها إذا ما ودت الاستفادة منهم!!.
هنا أيضاً لا نود الدخول في تفاصيل المناهج التدريسية التي يغلب عليها الطابع النظري في كليات الهندسة، لكن واضح جداً أن المؤسسات العامة تضطر لابرام عقود مع قطاع خاص لتصميم موقع إلكتروني مثلاً بينما تمتلك عشرات المهندسين اختصاص معلوماتية، ومثلهم عشرات مهندسي الميكانيك والكهرباء لكنها عندما تود إصلاح سياراتها أو كهرباء مبانيها تتعاقد مع ورش “ميكانيك” أو “كهرباء”، الطابع الاداري للوظائف العامة في غالبيتها يقتل الاختصاص الفني للمهندس، كان الأولى أن تؤمن لجنة السياسات بنك معلومات واضح عن حالة مهندسي القطاع العام!!
لم تقرا وزارة الزراعة حاجة السوق المحلية من الحمضيات كما أنها لم تقرأ الأسواق الخارجية بعيون وزارة الاقتصاد، فتعثرت الحكومة في تصريف المحصول، كذلك لم تذاكر وزارة التعليم العالي جيداً حاجات سوق العمل وكان همها عدد المهندسين الذين تخرجهم كل عام، فتشابهت الاختصاصات الهندسية على الجهات العامة، والنتيجة حمضياتنا ردت إلينا، ووزاراتنا تغص بالمهندسين الذين يزاولون العمل الإداري عكس الاختصاص!!.
مؤخراً دعمت الحكومة محصول التبغ، ذلك سيدفع الفلاحين لاقتلاع أشجار الحمضيات لإحلال زراعة التبغ، فيما لو التزمت الحكومة بتوظيف خريجي التارخ مثلاً وألغت التزامها بالمهندسين لاتجه الطلاب لدراسة التاريخ، ربما بات من الملح أن نقرأ تاريخ تعاطي جهاتنا التنفيذية مع مسألة الموارد البشرية.. مخرجات التعليم .. متطلبات سوق العمل.. كي لا نعود ونخترع العجلة!.
الاصلاحية | صار وقتا..
Post Views:
0