الاصلاحية |
لم يكن يعلم ذلك الليبرالي المفعم بأبعاد “النظرية” ، أن خصوصيات المجتمعات تفرض نفسها عنوةً ، ولا يمكن إسقاط أدبيات واحدة على مجتمعات متباينة.
الخبير السوري | بالتالي تسرّع وربما أخطأ ، حين رفع صوته معارضاً لأن تعمل الدولة كـ”تاجر مفرّق” ، والتمسّك ببقايا النفحة الاشتراكية في أسواق شعوب موضوعة على قوائم “اللّبرلة” ، في أروقة صندوق النقد والبنك الدوليين.
هنا في التجربة السورية الكثير من العبر التي يمكن استشفافها من تناقضات حادة ، عصفت عصفها في زمن التحوّل المتسارع ، نحو مفازات ومجاهيل النظام العالمي الجديد ، حيث طقوس ” نعي” الاشتراكية البائدة ، والاحتفاء بما يشبه “زواج المسيار” مع الرأسمالية الجديدة ، فلا الاشتراكية بقيت ، ولا الرأسمالية وجدت لها مكاناً تندس فيه ، لتبقى الخصوصية السورية سيدة السوق ، دون أن تصفح عن أصحاب المحاولات البائسة الهادفة لإحداث الشرخ “المطلوب” في بنية الاقتصاد والسوق.
ففي دروس الأزمة والحرب على سورية ، بكل ما أرخت به من ظلال ثقيلة وقاتمة ، ما يستحق الهدوء و التفكّر و إعادة النظر بكل إرهاصات “المراهقات” التنفيذية السابقة ، و إن فعلنا سنستنتج وسنقتنع بأن الدولة ” تاجر مفرق” وهو دور يرتقي إلى الحالة السيادية ، والآن أكثر من أي وقت مضى ، بعد أن تيقننا من أن إطلاق قوى السوق بموجب الوصفة الليبرالية ، لم يكن إلا إطلاق لعفاريت غير منضبطة ، لا أخلاقياً و لا إنسانياً .
تاجر مفرّق احترافي يتلمس أوجاع الملفوحين ، في خضم تجاذبات الحرب وما قبلها وما بعدها أيضاً ، يبدو شرطاً لازماً وبإلحاح ، لضمان الحدود الدنيا من التوازن والاتزان ، في مجتمع يرفض التخلّي عن أبويّة الدولة بالدور والحضور ، سيما و أن الثقل الرأسمالي بدأ يرجح ، ولا بدّ لطيف الفقراء من ثقل أو مُثقّل ومظلة ، هي ذاتها ذلك التاجر بنسخته الجديدة ، المطوّرة والمبتكرة .
“السورية للتجارة” أو المؤسسة السورية للتجارة ، هي الاختصار المطلوب بإلحاح ، والوصفة الناجعة التي هذّبت عفاريت السوق وروّضت الحيتان ، وسط الفجوة الهائلة من اللاتوازن التي أنتجتها “صرعة” اقتصاد السوق الاجتماعي .
وهي النموذج المرن غير المسبوق في أعرافنا التنفيذية ، مؤسسة حكومية ..بعقليّة تاجر شاطر ..تاجر جملة ومفرّق ، و رجل أعمال محترف “البزنس ” والعمل الخيري ، لعله هو المطلوب بدقة وتحديد ، في هذا العالم الغارق في دوامة افتراس الأقوياء للضعفاء.
الآن هل سيستكين المعنيون بتطبيقات الليبرالية البغيضة ، بحكم و إملاءات المصلحة والحالة النفعيّة الغريزية ، لا الفهم والعمق الفكري والمهارات المعرفية ، هل سيستكينون لدور الدولة وذراع الحكومة في السوق ؟؟
أليست التصفيات والإزاحة والإلغاء ، من بدهيات عالم المال والأعمال ؟؟
هل نعيش اليوم طقوس حرب ناعمة خرساء ، بين “التاجر الحكومي الشاطر” الوحيد ، و ذات القوى العفريتية التي أطلقت من أوكارها ، منذ أكثر من عقد من الزمن ؟؟
الواقع أن منظرو ليبرالية السوق وحتى الدولة ، غادروا البلاد مع أول طلقة في هذه الحرب المجنونة ، لكن على الأرجح تركوا لنا أدوات لا تنكفئ في جولات الصراع داخل أسواقنا ، ليست إلا تجليات صراع بين نظريتين ، مازالتا تتصارعان في أكثر من مطرح في هذا العالم.
وفي فصول “حرب الموز” التي شُنّت على “السورية للتجارة ” ما يشي بأن ثمة جولات جديدة مبيتة ، قد لا تتأخر في تقديم نفسها عبر “تسريبات” ومحاولات ليّ أذرع ، وربما بدأت في أولى ملامحها بفصل انتقامي ، بعد جولة انتصار وسحب البساط في سجالات الموز التي حسمتها “الذراع الحكومية” لصالح المستهلك.
و ثمة من يتحدّث عن أن السعر المخطط لكيلو الموز كان ضعفي ما هو الآن ، ولنحسب قيم فوات الأرباح والمنفعة التي تسبب “التاجر الحكومي” لدونكيشوتات الموز ..والنتيجة ستجيبنا عن تساؤلاتنا حول هذا السعار غير المسبوق ؟!!
تجربة الموز عبرة ، والحكومة هي من عليه أن يعتبر هذه المرّة ، فإن استطاعت “السورية للتجار” كبح جماح المستورد من “الفاكهة الصفراء” إلى هذا الحد ، لماذا لا يكون استيراد “سلة متنوعة من الأساسيات” حصري بهذه المؤسسة ..وما المانع من العودة إلى زمن الحصرية ، بما أننا متفقون على سقوط النظرية الرأسمالية وتطبيقاتها على أراضينا كما سقط الإرهاب ، أو ليس مصدر الحالتين واحد والمنشأ واحد ؟؟
Post Views:
0