الاصلاحية | منصة التحكيم |
استطاع “فني صيانة” الحصول على استقالة من إحدى جهات قطاعنا العام بعد عدّة محاولات ، وبعد فترة استدعت الجهة التي استقال منها خبير آلات من شركة متخصصة ، لصيانة عطل طارئ في مكنة رئيسية ، وكانت المفاجأة أن الخبير الذي أرسلته الشركة كان ذات الموظف المستقيل ، لكن بمظهر مختلف ..ربطة عنق و”سمسونايت” ..
ناظم عيد | المهم أنجز “الخبير” الإصلاح المطلوب ونظّم فاتورة بمبلغ 50 ألف ليرة سورية مطلوب تسديدها من الجهة التي كان يعمل بها ، إلى الأخرى التي تلقفته بعد الاستقالة ، والمؤسف أن راتبه عن شهر كامل كان لايتجاوز حينها 20 ألف ليرة سورية ، وكان هو من يتولى عمليات إصلاح الأعطال دون ولا قرش واحد إضافة على مرتبه الشهري.
إنه القانون رقم 50 الشهير بـ ” القانون الأساسي للعاملين في الدولة ” الذي ثبت بالدليل والتجربة أنه أساس الفساد والترهّل الإداري في بلدنا ، نحن الباحثين عن قشّة نتعلّق بها للخروج من دوّامة الضياع الإداري.
وكم هو كبير وهائل حجم الشعور بالأسف الذي يعترينا ونحن نسلّم بأن ثمة قانون ولا شيء آخر – قاهر – سبب ارتكاس أداء الوظيفة العامة والموظف ؟!!
وربما يكفي أن نتخيّل الحال مع حقيقة أن أكفأ و أمهر موظف في دائرة حكومية يتقاضى ذات الأجر الذي يتقاضاه آخر يحمل ذات الشهادة وبذات القِدم ، حتى ولو كان الأخير شبه منغولي أو متسيّب وفقير المهارات والقدرة على العمل ، يكفي ذلك لنضع نقطة على السطر وننهي حديثنا لقناعتنا بأن الفكرة تكون قد وصلت.
لكن لا بأس ببعض التفاصيل بما أننا فتحنا السيرة ..
موظف مسقوف الأجر بعتبة واطية أي منخفضة جداً ، وليس من أمل له بالتميز المادي مهما بلغ من فطنة وخبرة وتفاني بالعمل ، أليس كمن حُكم عليه بجهنّم مهما حاول تجريب وضروب النسك وسلوك الفضيلة ، ألن يكون أحمقاً لو اتبع الخيار الثاني ؟؟
اعذرونا للمقاربة البراغماتية ، فمقتضيات الانتماء الوطني لم تمنع الكثيرين من التفاني وعدم النظر بمنظار الراتب المسقوف ، لكننا لا نملك ولا يملك سوانا نفي أثر “السقف الواطي” وصداه الظاهر لدى الكثيرين أيضاً ممن قرروا أن هذا الراتب يستحق تلك الحفنة المتواضعة من الجهد والالتزام.
البصمات السوداء للقانون 50 لاتقتصر على الراتب المسقوف ، بل ثمة امتدادات أخطر باتجاه بنية الهيكليات الإدارية و توزيع الموارد البشريّة على المفاصل الحساسة ، وهو ما نسميه تولية المهام “المناصب” والترقيات ، ثم التحفيز ، وكلّها أساسيات وعناوين بالغة الحساسية في المفاهيم الإدارية وتطبيقاتها ، أي من صميم علم الإدارة الذي ندرسه في جامعاتنا ونتناساه في مؤسساتنا.
في عقود ماقبل الثمانينات من القرن الماضي نظّم الوظيفة العامة في سورية قانون كان اسمه – على مانظن – “قانون الموظفين” صدر في عقد الأربعينات واستمر حتى بدايات الثمانينات ، وكان حافلاً بمعايير دقيقة للتعيين والترقية والتحفيز ، ولم يكن ممكناً أن يرتقي موظف إلى مرتبة مدير ، إلا عبر مروره بسلسلة المفاصل المؤدية إلى هذه الرتبة ، أي التدرّج في العمل دون السماح بممارسة هواية القفز بالهواء الدارجة حالياً بسبب غياب الضوابط .
والتحفيز المادي كان حاضراً لإنصاف الموظف الذي يستحق ، فالشهادة أساس التعيين لكنها ليست معيار العائد المادي ..لكن تم إلغاء ذلك القانون واستبداله بقانون العاملين الموحّد ، ثم بعد حوالي 5 سنوات تم تعديل “الموحّد” بقانون العاملين الأساسي ، ثم بالقانون الأساسي للعاملين في الدولة عام 2004 ، ومازال الأخير شاخصاً حتى يومنا هذا.
و تجري حالياً محاولات لتعديل القانون في أروقة وزارة العمل ، لكن التعديلات التي تسرّبت كانت هزيلة ، قاصرة عن تجاوز الثغرات و الندبات التي تسبب بها في مضمار الوظيفة العامة ، وبالفعل لم نعد نسمع عن التعديل شيئاً فلربما تم إرجاء الموضوع لضعف الكفاءة ، وهذا عين الصواب.
لكن لابد من فريق خبراء يعكف على التعديل وتجاوز الهنات التي تعتري القطاع العام لجهة موارده البشرية بسبب قصور القانون 50 ، ولا بأس أن نعود لنستفيد من قانون الموظفين في زمن الأربعينيات ، فنحن بأمس الحاجة إلى التعديل ، لأننا أمام مهمة وطنية من الطراز الثقيل اسمها “مشروع الإصلاح الإداري”.
قبل أن نختم نرى أنه من المفيد والمسلّي الإشارة إلى أن راتب مدير عام مصرف حكومي لا يزيد عما تقتضيه إجازته الجامعية كعامل على الفئة الأول وبعض الترفيعات بحكم القدم ، وتعويضات تكاد لاتذكر بحكم المسؤولية “تعويض مسؤولية” ، أي بحدود 60 – 70 ألف ليرة سورية شهرياً ..هذا في إطار “الحلال زلال” ، أما الراتب الشهري لمدير بنك خاص مع تعويضاته يصل إلى 20 ألف دولار ، وبعضهم يتحدث عن 30 ألف دولار شهرياً..فلنقارن ولننظر ثم لنترقب إلى أي وادٍ سيودي بنا القانون الأساسي للعاملين في الدولة ؟؟!!
“الخبير السوري”
Post Views:
0