الاصلاحية | منصة التحكيم |
لعلّه ليس بالسؤال الخبيث ..الاستفسار عن حجم الخسارة الحقيقية في إلغاء حزمة من الوزارات المدرجة في سياق الهيكليّة الحكوميّة ؟؟
الخبير السوري | بل هو “عصف ذهني” غاية في الموضوعية ، وقد يكون السؤال الأكثر واقعيّةً و الأكثر جرأة ربما ، هو ذلك الذي يتحرّى بصراحة وتصالح ، عن الأرباح والوفورات التي يمكن أن ينتجها قرار ” ضغط الحقائب” الوزارية ، فيما لو طُرح الموضوع للدراسة والتقويم ، وفق حسابات براغماتية تقتضيها أحياناً إدارة الملفّات الحسّاسة ، لكن الإلغاء هو حالة بغيضة من حيث المبدأ ..ليبقى إعادة ترتيب مدروسة لهيكلية الكثير من الوزارات ، وهذا أمر ملحّ وضروري.
لقد أنتجت المعالجات الهيكلية ..ولادة هيئات وإلغاء مؤسسات ودمج شركات ..تشوهات في المشهد الداخلي للكثير من الوزارات ، بالتالي يمسي لا بدّ من استدراك هادئ ، وإلا لن يكون ثمة داع لبقاء بعض الوزارات.
و قبل الاسترسال في الحديث لا بدّ من التأكيد أننا لاننطلق في تناول هذا الموضوع من منطلقات ذات صلة بالسادة الوزراء متسلّمي الحقائب ، و إنما لحسابات الدور والحضور ثقلها هنا ، لاسيما وأن في هيكليّة هذه الوزارات ذاتها ماينفي الحاجة لبقائها ، لو تم الإبقاء على “التركيبة” الراهنة.
ونبدأ بوزارة الاقتصاد التي تقوم على مؤسستين اثنتين – لم يخطر ببالنا سواهما – هما المؤسسة العامة للتجارة الخارجية ، والمؤسسة العامة للمناطق الحرة ، وهيئتين الأولى هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلّي والصادرات ، والثانية هيئة التشغيل وتنمية المشروعات.
مؤسسة التجارة الخارجية هي نتاج خمس مؤسسات مدمجة و مهمتها استيراد احتياجات القطاع العام ، وقد استصدرت معظم الجهات قرارات “تحرر” من هذه المؤسسة ، بعد أن ثبت أنها ترتب تكاليف إضافية على مشتريات القطاع الحكومة من الخارج ، ولم يعد لبقاء هذه المؤسسة مبرر موضوعي ، أي أن تلغى قبل الوزارة التي تتبع لها _ راجع المقال: “مؤسسة حكومية عريقة: :دواليب” للبيع.. لأعلى سعر!
أما المؤسسة العامة للمناطق الحرة ، فهذه تقوم بعملها بعيداً عن الإنضواء تحت مظلة وزارة الاقتصاد ، ويمكن تحويلها إلى هيئة تابعة لرئاسة الوزراء ، كما هيئة الاستثمار أو دمجها بهذه الأخيرة ، لأن مهام الهيئتين متماثلة ومتشابهة.
هيئة دعم الإنتاج المحلّي يمكن – بل من الضروري – أن تُلحق بوزارة الصناعة ، وللصادرات اتحاد متخصص يتولّى المهمة وهو جهة شبه رسميّة إن لم تكن كذلك بدقّة.
لكن هيئة التشغيل وتنمية المشروعات ، فمن المفيد أن تعود إلى مظلّة رئاسة مجلس الوزراء بشكل مباشر ، كما كانت عند تأسيسها تحت مسمى هيئة مكافحة البطالة .
تبقى مديريات الاقتصاد في المحافظات التي يتمحور عملها حول منح إجازات الاستيراد والتصدير ، بالنسبة للاستيراد يمكن توزيع المهمة بين الوزارات حسب نوع المادة المستوردة ، أي السلع الاستهلاكية تكون إجازاتها من اختصاص وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ، والمستلزمات الزراعية من اختصاص وزارة الزراعة ، والصناعية لـ “الصناعة” ، والأدوية لوزارة الصحّة . وبالنسبة للصادرات فالعلاقة تكون مباشرة مع اتحاد المصدرين .
وبذلك تنتفي الحاجة إلى وجود وزارة الاقتصاد _ راجع المقال: “في الإصلاحية: وزير يفكر بصوت مرتفع.. “سيناريو إلغاء وزارة”، إلّا في حال أعدنا إليها مهمة الإشراف على المصارف وشركات التأمين ، وعندها سيكون لوزارة المالية توصيف وتقويم آخر ، رغم أنه من الصعب أن نتخيّل إمكانية أن يكون بلد بلا وزارة اقتصاد ، لكن الدور ” المختصر” للوزارة لدينا يملي التفكير بإلغائها أو إعادة تفعيلها بشكل حقيقي.
نصل الآن إلى وزارة المالية التي تبدو وزارة إشكالية فعلاً ..لا سيما بعد أن أحدثت هيئة الضرائب والرسوم التي اختصّت بنصف مهام وزارة المالية تقريباً.
يتبع للوزارة – شكلياً – مديرية الجمارك العامة ، ونكرر ..تبعيّة شكليّة تسمح بأن يكون هذا الجهاز الحساس تابع لرئاسة الوزراء.
كما يتبع للوزارة المؤسسة العامة للتأمين والمعاشات التي يجب دمجها بمؤسسة التأمينات الاجتماعية التابعة لوزارة العمل .
أما المصارف ، وهي ستة مصارف حكومية و أكثر من 14 مصرفاً خاصاً ، فترتبط بوزير المالية وليس بالوزارة ، لكنها في الحقيقة تمتثل فنياً لوصاية مصرف سورية المركزي وليس لوزير الماليّة ، و قد كانت من اختصاص وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ، وكذلك قطاع التأمين الذي كان محصوراً بالمؤسسة العامة السورية للتأمين.
ولشركات التأمين حال مشابه للمصارف..فهي تعمل تحت مظلة هيئة متخصصة ، ولا نظن أن لوزارة المالية رأي فني صائب تطرحه في الشأن التأميني.
لذا يبقى دورها كوزارة “خزانة” ، وهو دور مهم لكن تحت هذا المسمّى دون أن تلحق بها مؤسسات ذات طابع اقتصادي أو إداري.
إذا لا وزارة المالية ولا الاقتصاد قابلتان للإزاحة والإلغاء ، لكن المطلوب هو إعادة توزيع عائدية المؤسسات والهيئات العامة ، بشكلٍ يقضي على ظاهرة التنازع بين مهام واختصاصات الجهات العامة.
والأمثلة كثيرة قد لاتخلو منها وزارة ، وهنا في مثل هذه المطارح ، تكمن “مهددات” التوصل إلى حلول ناجعة و إعادة ترتيب “البيت الداخلي” للكثير من الوزارات ..
Post Views:
0