الاصلاحية | خاص |
تتابع حكومة المهندس “خميس” رحلة القفز على اليوميات كلما سنحت الفرصة لرسم ملامح سورية ما بعد الأزمة، رحلة كانت بدأت مع استعادة سلطة الدولة على مساحات جغرافية واسعة، ترتب عليها استقرار اقتصادي نسبي، فعادت الملفات المزمنة تستنفر الجهاز الحكومي بكامل “أورامه”، ليعيد للذاكرة مشهد تنازع الصلاحيات وتشابك المسؤوليات.
فهد كنجو | في واحدة من القفزات الجديدة فتحت الحكومة جبهة “التخطيط الاقليمي” عبر جلسة ترأسها رئيس مجلس الوزراء، لبحث مسودة أولية لإطار وطني للتخطيط الاقلمي، ما استدعى استحضار شبح “هيئة التخطيط الاقليمي” التي كانت دخلت حالة ثبات قسرية بعيد سنة من إحداثها، دبلوماسية رئيس مجلس الوزراء في كلمته الافتتاحية للجلسة وتطرقه للعموميات وعلى غير عادته في الاجتماعات التي يصفها بالنوعية، ربما تلقفها رئيس الهيئة المهندس حسن جنيد كإشارة باهتة تشي بأن الاجتماع لن يخرج عن الطابع البرتكولي، فراح يقلب “سلايدات” ما قال إنه عرض الإطار الوطني للتخطيط الاقليمي، “رشاقة” العرض كانت مؤشراً كافياً لأي من الحاضرين أن “الهيئة” ومديرها ليسوا في يومهم، الرجل أخذ وقته كاملاً (على أقل من مهلو) وكأنه يشرح درس جغرافية لتلاميذ مبهورين بجهاز الاسقاط الضوئي، عمد إلى قراءة العناوين العريضة وهي هدف أي ملف حكومي تنموي، كلمة واحدة للمهندس “خميس” كانت كافية لإرباك أفكار صاحب العرض البعيد كل البعد عن أي جديد وشيق! _ كان أبدى “خميس” حساسية من استخدام مصطلح الأقاليم _ فحاول مدير الهيئة في كل مرة صادفه المصطلح استبداله بمرادفات أخرى، ما زاد في البطء إرباكاً..
طبعاً المصطلح يعود استخدامه لبداية العمل على الاطار الوطني للتخطيط الاقليمي، ذلك قبل أن تدخل الأزمة، وقسم سورية إلى سبعة أقاليم، ما يعني بالضرورة أن أغلب ما عرضه مدير عام الهيئة كان في ظروف مختلفة تماماً عن الظروف الحالية، حتى الهيئة بحد ذاتها أحدثت في الفترة الذهبية (بموجب القانون رقم 26 لعام 2010 وتتلخص مهامها بـ “تنظيم عملية التخطيط والتطوير الإقليمي المكاني في كافة أراضي الجمهورية العربية السورية”) ربما وقتها كانت هناك حاجة لها اقتضتها حالة النمو المتسارع في بعض المناطق السورية على حساب أخرى، أما الان يتضح أنها تندرج تحت وصف “ترف مؤسساتي” لجهة أن عملها “يتشابك” في جزء كبير منه مع عمل هيئة التخطيط والتعاون الدولي وما تعمل عليه من مشاريع (عبر الوزارية _ سوريا ما بعد الحرب)، وما هو واضح أن التشابك أفرزته “الحرب” ونقصد ، وانطلاقاً من نظرية الفراغ الذي أحدثته “التخطيط الاقليمي” جعلت هيئات وجهات أخرى ربما بدون قصد التورط في ملئ ذلك الفراغ، والعكس صحيح!!، حيث اضطرت “التخطيط الاقليمي” زج مسائل تتعلق بتداعيات الحرب في إطارها الوطني.
الدكتور عماد صابوني رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي في تعقيبه على العرض لم ينفعه حرصه الشديد واستخدامه تعابير جد دبلوماسية من الوقوع في فخ التصادم مع فريق “التخطيط الاقليمي” الحاضر بفنييه، الرجل كان أوضح أن لكل واحد من الحاضرين مفهوم مختلف حول مسألة التخطيط الاقليمي، وبالفعل هذا ما اتضح من خلال أغلب المداخلات، الكلمة الجوهرية التي قالها وتستحق الاصغاء تمثلت بأن الخريطة التي انتهى إليها العرض جيدة ولا خلاف عليها إنما أراد ممن صاغو المشروع توضيح طريقة الوصول إليها، (كل جهة أو مؤسسه عم تشتغل شغل غيرها.. لكنها لا تقوم بالشغل المطلوب منها وفق تعبير الصابوني).
طبعا كلام “الصابوني” يعكس تماماً حالة التورم الذي أصاب الجهاز الحكومي، ولا نعتقد أن الاجتماعات القادمة أكانت ثنائية بين الهيئتين أو “نوعية” برئاسة رئيس مجلس الوزراء وحضور وزراء الزراعة والصناعة والادارة المحلية والسياحة والأشغال، سيخرج من نطاق التخطيط لفض التشابق في مسألة التخطيط.
وباستثناء مداخلة أمين عام مجلس الوزراء الدكتور قيس خضر بقيت جميع المداخلات في إطار العموميات، “خضر” كان تطرق لمسألة ربط البحار الخمسة التي يتضمنها مشروع الاطار الوطني للتخطيط الاقليمي وتساءل عما إذا بقيت صالحة.
نعم لقد تغيرت ظروف كثيرة، وما كان صالحاً قبل الحرب ربما لم يعد صالحاً لا خلالها ولا بعدها، حتى الهيئة “التخطيط الاقليمي” ربما من الاجدر اعادة النظر بها، الحكومة مصرة على العمل وفق خطط وهذا صحيح، والحقيقة عندما فشلنا في التخطيط رحنا نخطط الفشل!!.
وكي لا نكون سوداويين بانطباعاتنا عن الجلسة نذكر بعض الايجابيات:
_ الجلسة منحت مساحة زمنية وافية تقريبا كل الحضور أدلوا بدلوهم حتى الاعلاميين قالوا ما لديهم واستمعو للإجابات المباشرة من رئيس الحكومة، واستمرت أكثر 3 ساعات.
_ خلاف وجات النظر عبر عن واقع صحي اعتاد عليه الفريق الوزاري على ما يبدو وهذا كفيل ببناء أسس لحوار حتماً سيفضي إلى اتخاذ قرارات صائبة.
_ رئيس مجلس الوزراء منح “الهيئة” شهر لتعيد صياغة عملها بناء على معطيات الجلسة وما سيليها من تشبيك مع باقي الجات، لتكون حاضرة في جلسة أخرى، أي أن الجلسة لم تكن عابرة وليست الاخيرة.
_ رغم بعض المداخلات التي بدت قاسية من بعض الاعلاميين الا أن رئيس الحكومة بقي على موقفه بأنه سيشرك الاعلام بكل الاجتماعات.
بقي أن نقول إن المقالة انطباعية لم نرد من خلالها تسجيل محضر الجلسة بقدر ما أردنا الاضاءة على واقع التشابك المؤسساتي في الجهاز الحكومي، مع يقيننا أن مثل هذه الاجتماعات فيما لو قدر لها الاستمرار والنوايا الصادقة كفيلة بتحويل هذا التشابك إلى تشبيك.
الاصلاحية | لانو صار وقتا..
Post Views:
0