الاصلاحية | أماني صديق |
الكتابة الصحفية ليس مجرد قلم، ولا مجرد كلمات تصطف وراء بعضها بعبارات أصبحت مألوفة للجميع، و لا هو مجرد شهادة بمواد حفظت وقدمت كمتوالية عددية يحفظها البعض دون إدراك لأهميتها، ولا هو مكتب ومُسمى ومركز.
صاحبة الجلالة بجيلها الذهبي كانت قادرة على تغير واقع ، وتعديل قانون من خلال غنى النقاشات حول قضايا سلطت الأضواء عليها ساهمت في تحولات سياسية ومجتمعية.
لا ادري ما هو المسمى الذي يمكن أن نطلقه على عصر الصحافة الحالي وما تعانيه من فوضى بالمعاني والأدوات والمفاهيم .
ولعل من أهم الأسئلة التي تقودنا للوصول إلى معناها الحالي ما يتعلق بتعريف الصحفي..
من هو الصحفي؟ ما هي المعايير المحددة له؟ هل هو موظف أم منتج معرفة أم مخبر ، أم مجرد صائغ لتلميع لمن يتبع أو لمن يدفع أكثر ؟؟هل الصحفي له نفس السلطة الرمزية برغم اختلاف وسائل التعبير الإعلامي والتقني؟
وأكثر من ذلك، هل الصحفي هو الذي يحرر المادة الخبرية عن طريق توظيف خبرته ومعرفته بحدود وطبيعة الأجناس الصحفية؟ أم يمكننا أن نعتبر كل من يشتغل في حقل الصحافة صحفيا؟ من محرر، ومصحح، ومنشئ لغوي، ومخبر، ومصور فوتوغرافي وغيرهم حتى نصل إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي أنتجت مئات من يحملون هذا المسمى أو من أطلقوا على أنفسهم لقب إعلامي أو صحفي ….الخ
هل الصحفي هو من درس لسنوات أصول مهنة الصحافة، وكيفية كتابة الخبر، والتمييز بين المقال والتحقيق؟ أم هو من جاء من خارج أروقة كلية الإعلام ليفتي ويجرب ويدعي انه خبير ؟ وطالما أن شهادة الإعلام أصبحت غير مؤهلة لكثير ممن تعبوا حتى حصلوا عليها فلماذا إذا نشقى لنحصل على شهادتها ؟ طالما أنها غير كافية بنظر الكثير؟ وهنا ينتابني سؤال؟ هل تذهب لطبيب الأسنان عندما تفاجئك أوجاع المعدة؟ أم التخصص هنا مطلوب، وفي الإعلام والصحافة تحصيل حاصل!!! وبات من لا يفقه حتى بالهرم المقلوب قادر على كتابة مقال ونشره بكل سهولة والأدهى في صحف رسمية ؟!! مع العلم أن فيها صحفيين متخصصين منذ سنوات؟!!
تساؤلات كثيرة تحتم علينا العمل على الوصول لتعريف الصحفي المهني المحترف.
فإذا كان الصحفي “موظفاً” لدى جهة ما، فإنما هو موظفاً للحقيقة التي يراها أو المطلوب أن يراها، والتي يحاول نقلها بصورتها وأبعادها ، والمشكلة والمصيبة عندما تكون هذه الحقيقة كارثية أو حتى بأبسط الحالات غير حقيقية بل مجرد تحويل خضع لاشتغال إعلامي للوصل إلى هدف محدد مسبقاً.
اعتبار الصحافة مجرد مهنة ووظيفة هو نوع من الاختزال لهدفها الأساسي فالصحافة نشاط فكري إبداعي له خصوصيته، وله قوانينه، وله أساليبه وطرق إبداعه، ومن ثم القيمة الفكرية للصحفي في حقل الممارسة الإعلامية.
إن ما ينتظر الجمهور من الصحفي هو أن يحوّل وقائع المجتمع وتجاربه الإنسانية إلى معطيات خبرية، أن ينقل صور حقيقة وليس مجرد قناعات لديه لا تحمل سوى فكره واتجاهاته ودعايته المستترة وراء كلمات وعبارات ملفقة فيها الكثير من الاستهتار بقيم الصحافة وقبلها قيم المجتمع
والتي تتأثر بناحية أو بأخرى بقيمه كناقل ومشكل للرأي العام لأن نظام القيم الداخلي الخاص به ، ونزعات التحيّز بداخله، ودرجة تكيفه الثقافي وفلسفة الوجود الخاصة به هي أجزاء لا تتجزأ من تكوينه كصحفي، من هذا المنطلق فإن من واجب من يتعاطى بمهنة الصحافة أن يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وان هناك من يتابعه بكل حروفه وأفكاره وحتى بأهدافه المستترة قبل الظاهرة.
الصحافة ليست لمن ادعى أنه امتلك أدواتها، إنما هي أهم وأنبل من مجرد كلمات نشرت، بواسطة أشخاص اساؤوا لأنفسهم لأنهم لم يعرفوا قدر ثقافتهم الإعلامية الضئيلة إن لم نقل المعدومة.
ما نريده معايير مهنية أولاً تحدد ما ينشر, ومن ينشر، وكيف، ما نريده تفعيل لقوانين كانت وما تزال حبر على ورق.
أوقفوا ظاهرة الصحفي الموظف ، فهو مجرد أداة دعائية لمنتج كاسد ليس أكثر، أوقفوا ظاهرة أنت ، صحفي بـ “300” كلمة وعصا سلفي وأرقام لبعض رؤساء التحرير ممن تجمعهم صداقات مع بعض الوزراء والمسؤولين، والذين لم يروا في كل ما عندهم من محررين وصحفيين وكتاب من يفقه أن يكتب مادة دعائية أو تحقيق عن موضوع ليس فيه جديد سوى إرضاء لبعض الشخصيات!!.
ما نريد قوله: إن محددات وزارة الاعلام الأخيرة حول تغطية أخبار المسؤولين كانت لتجنيب الاعلام الرسمي تلميع صور الوزراء ونشاطاتهم وبياناتهم التي لا تهم سواهم، وكي لا يظهر الاعلام الرسمي بمثابة ناطق باسم الحكومة وأشخاصها، إلا أن صاحب الفكرة نسي إمكانية تسرب مواد صحفية هدفها تجميل “القبح” والتعمية على حقائق، وطالما أن أي من وسائل الاعلام الرسمي لا تعمل وفق خطة يومية لعددها المعد للطباعة، قد تظهر كثير من التناقضات في الصفحة الواحدة، هنا مثلاً يمكن أن يكتب محرر الجريدة زاوية نقد لمسألة ما، فيما تحتم المجاملة ونشر مواد لبعض الموظفين في بعض الجهات العامة تقول ما هو عكس الزاوية، السؤال هنا من يصدق القارئ؟!.
Post Views:
0