الاصلاحية | منصة التحكيم |
من المعلوم أن قانون الإيجارات الجديد رقم 20 للعام 2015، أقرَّ لأول مرَّة مبدأ أفضلية المالك في العقارات التجارية المؤجرة التي تخضع لقاعدة التمديد الحكمي (الفروغ) باستعادة المأجور مقابل دفع مبلغ 90% من ثمنه عند رغبة المستأجر مالك المتجر بيعه للغير، أو أن يقبض مبلغ 10% من الثمن كـ (رضوة) مقابل انتقال المتجر للغير، وذلك وفق آلية نصَّ عليها في (المادة 7 / ج – 2) مرتباً حالة إخلاء عند تجاهل هذه الآلية.
المحامي عارف الشعال | هذا المبدأ الجديد طَرَحَ تساؤلات كثيرة، عما يتوجب عمله في حالات لا يمكن حصرها لم يتطرق إليها القانون، منها حالة بيع المتجر بالمزاد العلني نتيجة دعوى إزالة شيوع؟
ومنذ صدور التشريع الجديد وعين أهل القانون ساهرة ترصد أي اجتهاد يصدر عن القضاء في معالجة هذا المبدأ الجديد.
عُرضت على دائرة تنفيذ دمشق حالة بيع متجر بالمزاد العلني نتيجة دعوى إزالة شيوع، فتدخل المالك المؤجر بالملف التنفيذي، بمواجهة أطرافه جميعاً يطلب حصته المقدرة بـ 10% من الثمن الذي يرسو به المزاد،
رئيس التنفيذ قرر قبول طلب التدخل شكلاً ورده موضوعاً.
استأنف المالك القرار،
يبدو أن خلافاً بالآراء حول هذه الحالة دار بين المستشارين، ما أدى لصدور القرار بالأكثرية وليس بالإجماع،
حيث كان للمستشار المخالف الأستاذ “خير الله المقداد” رأياً بأن المالك لا يستحق نسبة الـ 10% التي قررها القانون في هذه الحالة، بحسبان أنه يستحقها فقط في حالة بيع المتجر بعقد رضائي، وهذا الشرط لا يتحقق في حالة البيع القضائي الجبري تنفيذاً لحكم إزالة شيوع، وينحصر حق المالك بالاشتراك بالمزاد أسوة بباقي الناس.
بينما رأت أكثرية المحكمة، ممثلة برئيستها الأستاذة “خديجة حوشان” والمستشار الأستاذ “أحمد حمادة” أن حق المالك المؤجر بنسبة الـ 10% من الثمن يستحق سواء بيع المتجر رضاءً أو قضاءً، مكرسة المبدأ التالي:
((العلّة في استحقاق المؤجر لحق الشفعة هو الانتقال في ملكية المتجر موضوع العين المؤجرة….
وبالتالي يستحق مالك العين المؤجرة نسبة الـ 10% من ثمنها عند بيعها بالمزاد العلني….
يتوجب على رئيس التنفيذ عند تنظيم قائمة شروط البيع في مثل هذه الحالات، إخطار مالك العين المؤجرة))
{يلاحظ استخدام المحكمة لمصطلح “الشفعة” المهجور في القضاء، منذ إلغاء مجلة الأحكام العدلية في سوريا عام 1949}
في الواقع كان الخلاف بين أعضاء هيئة المحكمة هو خلاف في تفسير العبارة التالية من النصّ الواردة في المادة 7 من قانون الإيجارات:
((….ورغب المستأجر أو ورثته بيعه أو التنازل عنه بكامله للغير))
التي يوحي ظاهرها بحالة البيع الرضائي،
وبالتالي فإن الخلاف بين التفسير الضيق للنص الذي أخذ به الأستاذ مقداد، وهو ما يدعى (مدرسة الشرح على المتون) التي يقدس أتباعها النصّ نفسه، وبين التفسير الواسع الذي اتبعته الأكثرية الممثلة بالأستاذين حوشان وحمادة، وهو ما يدعى (المدرسة العلمية) في التفسير التي تجنح للبحث عن روح النص، حيث تعتبر أن التشريع قامت به إرادة واعية تهدف لتحقيق غاية معينة، بدون النظر للإرادة المحتملة للمشرع. {يراجع: د. عبد المنعم فرج الصدة، أصول القانون، ص 273 وما بعدها}.
في الواقع، ومع الاحترام لرأي الأستاذ مقداد، ولكن ما اتجهت إليه الأكثرية يتسق مع فلسفة القانون المدني السوري في التفسير، حيث يشجع على اتباع المدرسة العلمية، فقد ورد في مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني – ج1 – ص187:
((نصوص التشريع تسري على جميع المسائل التي ينسحب عليها حكمه سواء استخلص هذا الحكم من عبارة النص أم من روحه، وليس أدعى إلى إسلاس تطبيق القواعد التشريعية وتيسير أسباب المرونة لها من تقصي روح النص))
وأخيراً…
مع بقاء عيون أهل القانون ساهرة ترصد أي اجتهاد يصدر في معالجة هذه الحالة، تجددت الإثارة مؤخراً بتشكيل لجنة للنظر بموضوع التمديد الحكمي برمته، ما يوحي بأن المشرع يتهيأ لقلب الأمور رأساً على عقب في قضايا الإيجار القديمة !!