الاصلاحية | أحوال شخصية |
على أحد أرصفة مدينة «جرمانا» تقضي «سميرة» الوقت حتى ساعة متأخرة من الليل وهي تتلقف ما يرميه المارة لها من “ليرات»، دون أن تعطي بالاً للكم الهائل من كلمات «التحرش والاعتداء على الخصوصية» من قبل بعض المارة، فالرجال بالنسبة لابنة الـ 25 من عمرها مجرد «جنس عاطل»، لا يؤتمن جانبه.
وحين تسأل هذه الفتاة النحيلة، عن السر في بقاءها حتى ساعة متأخرة من ليل مدينة تتعرض للقصف بقذائف الهاون بشكل مستمر، تقول: «أريد المال ليكفي أسرتي»، إلا أن المفارقة تكشف إن «سميرة»، ابنة أسرة مكونة من ثمانية أشخاص، ستة من أفرادها فتيات يتراوح أعمراهن بين الـ 15 و 25، وغالبيتهن يعملن في التسول.
«الحكي ما بيلزّق».. «والكل بيتطلش»
على رصيف آخر تجلس «زمرد» التي لم تصل الـ 20 من عمرها بعد، أنوثتها الواضحة تجعلها فريسة للكثير من عمليات «التحرش» المباشرة من قبل الشبان المارين، أو أصحاب المحال التجارية الذين تطوف عليهم لتلم «يوميتها»، ولا تخجل إذ تقول: «كل يوم ينعرض علي الكثير»، مقابل أن أزور أحدهم في بيته، أو أن أدخل إلى أحد المحلات بحجة «تنظيف السقيفة، أو القبو».
المبلغ الذي تجنيه النازحة من حي «الحجر الأسود» الذي يحتله داعش في أطراف دمشق الجنوبية، ينسيها حين تضع رأسها على مخدتها ما تسمعه يومياً من «تلطيشات و قرف»
فهي تبقى مجرد كلمات و «الحكي ما بيلزق»، من أعمار مختلفة من الرجال، وأكثر ما يضحكها، هو محاولات الرجال المسنين حين يتحرشون فيها، تعتبر إنهم يمزحون، وإن تمادى أحدهم أكثر من الحدود يكون الصراخ بوجهه سلاحها في إسكاته.
أما «ميسون»، فتجد أن التحرش بها أو بأي متسولة لا يختلف كثيراً عن التحرش بأي فتاة أخرى مهما كانت مهنتها، فالتسول ليس سبباً في أن يتحرش بها الرجال، إذ تقول: «أي بنت ماشية بالشارع تسمع تلطيش، الرجال لا يوفرون طالبة المدرسة أو الدكتورة، ولا ينظرون إلى مستوى جمالها، المهم أنثى».
وتضحك ذات الجدائل الشقراء الطويلة، حين تقول: «أنا بالأصل ما كنت شحادة، تعلمت الشحادة من لما نزحت، يمكن بس نرجع على الحجر الأسود بطل أشحد، يمكن ارجع كمل دراستي»، والمفارقة إن ميسون تركت مدرستها وهي في صف الحادي عشر، ولم تسعفها الأيام لإكمال الدراسة وإلا لكانت اليوم طالبة في الجامعة.
رصيف لـ «المراهقات»
على أحد الأرصفة في شارع جانبي، تجلس مجموعة من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13- 16 سنة، هذا الرصيف وفقا لتعبيرهن مكانا لاستراحتهن من العمل، كل ساعتين يجتمعن لتدخين سيجارة وبعض الحديث قبل ان يعدن إلى العمل مجدداً.
أكبرهن سناً تدعى «لولوة»، وتبدو الزعمية بينهن والأكثر حدية، ومشهد السجارة بين أصابعها مثيرٌ للدهشة، حين تقف للتحدث كصبي : «أي نعم، بيلطشونا، بس الشحاطة حاضرة إذا زودوها»، في إشارة منها لاستخدام حذاءها كسلاح في وجه المتحرش فيما لو تمادى أكثر مما قد تحتمله، ولا يخفيها الليل، في تعرف إنها بـ «ستين زلمة».
«لولوة»، تضحك حين تقول: «أمي لا تخاف علي، تسميني حسن صبي، آخر الليل أقص لها ما أفعله بالشباب الذين يحاولون التمادي وتضحك»، كما إنها – لولوة- لا تخفي الرقم الذي تصل إليها آخر الليل إذ توضح: «أقل بنت أو ولد بيحصل ما بين 5-8 آلاف في الفترة الممتدة من العصر وحتى منتصف الليل، غالباً يكون أكثر من 3 من أفراد الأسرة يعملون في التسول، وغالبا يكون الأب هو المتحكم بجمع المال في آخر المطاف، لكن معظم الأطفال أو البنات يخفون جزء من المال عن ذويهم».
أما صديقتها زينب البالغة من العمر 14 عاما، فتقول: «أحيانا يكون الطقس مؤثر على عملنا، ففي البرد يكون المبلغ الذي نحصل عليه اقل بكثير من أيام الدفء، ليالي الصيف أفضل من ليالي الشتاء»، والعمل في الليل بالنسبة لغالبية المتسولات يوفر “غلة” أكبر من العمل نهاراً، لأن عددا المتسولين ينخفض في الشوارع، ويصبح من السهل الوصول إلى«الزبون» الذي يقدم المال.
هذا الكلام يدفع «زينب» التي ينم حديثها عن نضج عقلي لتقول: «بعض البنات هن السبب في أن يكن عرضة للتحرش، اللباس غير المحتشم، أو ملاحقة الزبون أكثر من اللازم، يدفعه للتحرش بها كي تنصرف عنه أحياناً، أو إن إلحاحها على طلب المال يدفعه للاعتقاد بأنها مستعدة لأي شيء مقابل الحصول على المال وبالتالي يعرض عليها مرافقته إلى المنزل، أو إلى مكان ما».
متسولات يتحرشن بـ «الزبون»
بعض المتسولات مارسن النميمة وفقاً لتعبيرهن حين تحدثن لـ «هاشتاغ سوريا»، عن قيام بعض المتسولات بالتحرش بالذكور لنيل بعض المال، فـ «تسميع» الشاب بعضاً من «الكلام الحلو» والذي يصل حد «التحرش» قد يفتح شهيته على منح الفتاة بعض المال ليواصل حديثه معها، إلا أنها ما أن تحصل على المال حتى تختفي من أمامه بسرعة.
بعض المستولات أيضا، يعمدن إلى دخول الأسواق التي يمكن أن يتم التحرش بهن من قبل الشبان ليكون التحرش باب للحصول على المال، فما بين الأخذ والرد مع المتحرش الذي يحاول الحصول على الجنس من المتسولة بـ« بضع الليرات»، تكون المماطلة أسلوب جيد لأخذ بعض المال على أمل أن ينال المتحرش مراده، لكن أيضا غالبا ما تغادر الفتاة مكانها فور قبضها على ما تريد من الليرات.
ولا تعترف أي من المتسولات بممارستها هذا الأعمال، وقد يكون من تحدثن عن هذه الأساليب هن من يقمن بممارستها، فللتسول أساليبه التي تتنوع للحصول على بضع من الليرات تكمل “الغلة” التي يجب أن تكون في آخر المطاف قد حققت الرقم اليومي المطلوب.
لا يرتبط التحرش في المجتمعات العربية أو غيرها بمهنة الأنثى، لكن التحرش بالمتسولات يعتبر خرقا للعادة الإنسانية، فغالبا ما يكون أسلوب المتسول هو «التذلل» للحصول على المال من خلال عرضه لحاجته بأسلوب قد يدغدغ مشاعر المارة، كرفع وصفة طبية لدواء قد يكون «كريم لمعالجة حب الشباب»، أو أن تقوم سيدة ما بوضع رضيع في حضنها لتستجدي المارة باكية، أو غير ذلك من الصور المستفزة للعاطفة الإنسانية، وبالتالي ينم التحرش بفتاة في مثل هذه الحالة عن محاولة لـ «استغلال حاجة الآخر»، ما يعكس خلل نفسي لدى شريحة ليست بالقليل من «الذكور»، في ظل غياب برامج توعوية لخطورة التحرش على المتحرش نفسه.
المصدر : هاشتاغ سيريا
Post Views:
0