الاصلاحية | سومر براهيم |
مستغربة إلى حد الدهشة كانت كثافة الأخبار والعناوين الرنانة لمكافحة الفساد والذي أفردت له الحكومة جلسة كاملة حينها ،عناوين من قبيل: (الحكومة تعلن حرباً ضد الفساد وتتعهد بمحاسبة مستغلي المال العام والمناصب)، (في القاعة الكبيرة .. عصف فكري عنيف ضد الفساد .. هل حانت الساعة لضربه ومنع الدعم عنه ؟ )، (هيئة وطنية لمكافحة الفساد)، (تغييرات وشيكة في مواقع إدارية متقدّمة لن تخلو من المفاجآت..)، (تغييرات وشيكة في القطاع المصرفي والسلك القضائي) ، (مهلة أسبوع لبلورة هيئة وطنية لمكافحة الفساد) ، (سورية تبدأ فعلياً بمحاربة الفساد..مجلس الوزراء يخصص جلسة اليوم لبلورة خطة و آليات مكافحة فاعلة).
تلك العناوين وعناوين أخرى تتخذ طابع التهويل تجعلك تعتقد للحظة أن تسونامي سيجتاح البلاد ويغرق الفاسدين ويخرج بعده ربيعاً من النزاهة والشفافية والحياة الرغيدة وو…!!!.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه : ماهو مفهوم الفساد برأي الحكومة … وهل هو أشخاص أم ممارسة أم ثقافة..؟؟ وهل اجتثاثه من جذوره يبدأ بهذه الطريقة وبولادة قيصرية لهيئة خلال أسبوع .. وقد مضى أكثر من أسبوع ولم تولد الهيئة بعد!.. أكثر من لك من هم الفاسدين ومن المؤهل لمحاسبتهم وهل هو فاسد أيضاً أم منزّه ..وما هو العقاب؟.
هل الفاسد موظف صغير (كموظف النقل مثلاً) يتقاضى رشوة (اكرامية) صغيرة مثله لسد الفجوة بين دخله واحتياجاته التي لم تستطع الحكومة سد جزء منها حتى الآن هو الفاسد بمعيارها ومديره أو وزيره سيحاسبه ويكافحه؟.. أم المواطن الذي يدفع الرشوة لتسير معاملته بسرعة في ظل الروتين القاتل هو الفاسد ..والمجتمع سيحاسبه ؟؟ أم الروتين والبيروقراطية المتجذرة بالدوائر الحكومية هي الفساد …وتغيير القوانين والأتمتة المثالية ستقوّمها؟؟ أم ذلك الشرطي الواقف طوال النهار على الإشارة ويتقاضى مبلغاً زهيداً من أحد السائقين حتى لايخالفه .. والضابط سيحاسبه؟! أم وزير.
أو مدير سابق خرج مكرماً من منصبه بعد عشرات السنين وأصبح من كبار رجال الأعمال في البلاد .. والقضاء سيفتح ملفاته ويحاسبه؟ أم ذلك المدير المعتر الذي عمل بنزاهة طوال حياته ونتيجة خلافه مع مسؤول أعلى منه أقاله بتهمة الفساد وأجلسه في منزله ..وهنا زوجته وأولاده سيحاسبونه! أم ذلك الميكانيكي أو الطيان أو الخياط أو العاطل عن العمل الذي تحول خلال أعوام لرقم كبير في عالم الأعمال!.
كلنا مع مكافحة الفساد إذا تحددت ماهيته.. ولكن يجب أن نعرف أن الفساد متجذر في بنية المجتمع وانتزاعه يحتاج لبيئة اجتماعية وعلمية وثقافية ومعيشية وأخلاقية سليمة .. وليس لهيئة مشكلة بأسبوع..أو لكاميرا خفية..!! من ينظر إلى مكافحة الفساد بتبديل أشخاص ونزع طربوش إدارة عن رأس فلان ووضعه على رأس آخر دون إيضاح معايير وأسباب النزع والوضع، ربما نظره قاصر ويحتاج لنظارات مد!.
من يستطع حتى الآن أن يقدم فارقاً بسيطاً بتحسن أداء مؤسسة تغير مديرها فجأة؟.. أو أداء وزارة توالى على حقيبتها عدة وزراء بفترة قصير؟
العمل المؤسساتي يا سادة هو المُصاب وتغيير رأس الهرم لن يقدم ولا يؤخر. التطبيل للمكافحة لا يصح في هذه الظروف والأفضل أن يتم بهدوء حتى لايتحول إلى زوبعة في فنجان … ونفخ بوالين الإعفاءات والتكليفات لن تعطي رعداً ولامطراً.
نختم مع الدكتورة نهلة عيسى نشرته ذات يوم قبل أن تنام على صفحتها على فيس بوك عقب ضجيج مكافحة الفساد قالت فيه: طلعلي البكي مع الضحك لما سمعت أن حكومتنا مجتمعة لدراسة ظاهرة الفساد في البلد..
أولاً: لأن الفساد ببلدنا مو ظاهرة, هو أسلوب حياة والمؤسسة الوحيدة المومأسسة بهالبلد السعيد!! التي تعمل وفق منهجية مدروسة وراسخة, وأصحابها بيشيلوا بعضهم بعض, وبيدافعوا عن بعضهم البعض.
وثانياً: لأنه الفساد بالأصل صناعة حكومية عريقة, يعني لا مستورد ولا جايينا تبرع, لهيك ما بدها دراسة, بدها مكافحة ورش البيت الحكومي من الداخل بمبيد “ما شبعتو؟” وعودة إلى حضن الوطن إلي ما ضل فيه غير الركام إلي كمان صار بيزنس وسبوبة, وعدد هائل من الفقراء وعديمي الحيلة طويلي البال, إلي متلي شاكيين أمرهم لعزرائيل يا ياخدهم يا أما ياخود الفساد, ودايمة!!.
Post Views:
0