الاصلاحية | منصة التحكيم |
تدفع مؤسسات الدولة والمجتمع اليوم ثمن إهمال وإضعاف الحكومات المتعاقبة لمؤسسات الإعلام الوطني “التقليدي”.
كتب زياد غصن | إهمال وإضعاف وفرا الظروف الملائمة لتمسك شبكات التواصل الاجتماعي، أو ما بات يعرف بالإعلام الجديد، بكل خيوط عملية صناعة المعلومة المتعلقة بالشأنين العام والخاص وتحليلها ونشرها، وغالباً ما يتم ذلك بعيداً عن أي معايير موضوعية ومهنية.
وما ساعد الإعلام الجديد أيضاً على إكمال سيطرته على المشهد الإعلامي المحلي تفضيل الكثير من مؤسسات الدولة والمسؤولين شبكات التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام “التقليدي” من خلال تسريباتهم المباشرة وغير المباشرة، تكليف أشخاص لمتابعة ما ينشر فيها، وتأسيس صفحات معلنة وغير معلنة للترويج لهذا المسؤول أو انتقاد ذاك المسؤول…الخ.
طبعا هذا لا يعني أن وجود إعلام “تقليدي” قوي كان سيحول دون تغلغل شبكات التواصل الاجتماعي بين الفئات الشعبية، إنما على الأقل كان يمكن لهذا الإعلام أن يؤثر بشكل مباشر في توجهات شبكات التواصل الاجتماعي وتصحيح أخطائها من جهة، وفي توفير مصدر آخر للمواطن يتيح له الحصول على ما يحتاجه من معلومات ومعارف موثقة ودقيقة من جهة ثانية.
ويمكن الحكم على صحة ما سبق من خلال متابعة تجارب بعض الدول في التعاطي مع شبكات التواصل الاجتماعي، والدور المؤثر الذي لا تزال تلعبه وسائل الإعلام “التقليدي” في صناعة الرأي العام.
لن نفتح دفاتر الماضي، ونتحدث عن مظاهر الإهمال ووسائل الإضعاف التي مورست بحق مؤسسات الإعلام الوطني “التقليدي”، بل سنتحدث عما هو مطلوب حالياً لتطوير الإعلام الوطني التقليدي بغية مواجهة “الوجه السلبي البشع” لشبكات التواصل الاجتماعي…
إن أولى الخطوات الضرورية في هذا السياق تتمثل في الاعتراف الرسمي بأن الإعلام التقليدي لايزال قادراً على المنافسة بمصداقيته وحرفيته ومهنيته، وتالياً فالإنفاق على تطويره وتحديثه واجب على الدولة والمجتمع معا،ً لأنه في النهاية هو مشروع معرفي وفكري يسهم في تكوين الرأي العام وصناعته وفق معايير تقوم على المصداقية، القواعد الأخلاقية، والحقوق الطبيعية للفرد والدولة والمجتمع.
ومصلحة الجميع تقتضي أن يتشكل لدينا رأي عام حيال أي موضوع أو قضية محلية بناء على معلومات صحيحة، كاملة، وغير منحازة أو مبنية على أسس ومصالح وغايات شخصية..
وخلال السنوات السابقة تعرض الرأي العام لحملة تضليل واسعة قادته إلى اتخاذ مواقف كانت انفعالية وخاطئة، أضرت بمصلحة وسمعة مؤسسات وشخصيات كثيرة، من القطاعين العام والخاص..
أما الإجراءات المطلوبة لتطوير وتحديث وسائل الإعلام الوطني التقليدي فتتمثل في النقاط التالية:
-التعامل مع الإعلام التقليدي الرسمي كإعلام دولة غير مرتبط بسياسة هذه الحكومة أو تلك، ولا يقع تحت “رحمة” وزارة من الوزارات في مسعاه لتأدية عمله الإعلامي والمعرفي.
-تخصيص الحكومة لمؤسسات الإعلام الرسمي التقليدي باعتمادات كافية تمكنها من: تحسين الواقع المهني والاقتصادي للعاملين، تحديث مستلزمات العمل الصحفي التقنية والتكنولوجية، توسيع مجالات استثمارها المعرفي والثقافي، والنفاذ إلى الطبقات الشعبية.
– استبدال السياسة الحالية القائمة على التعامل مع المؤسسات الإعلامية ومشاريعها من منظور اقتصادي، بالسياسة التي اتبعتها سورية في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، وتعاملت بها مع الرسالة الإعلامية الوطنية كمنتج معرفي وتوعوي تدعمه الدولة بكل الإمكانيات المادية والفنية والبشرية.
-تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الإعلام “التقليدي” بتقديم محفزات وتسهيلات استثنائية، ففي النهاية الاستثمار في الإعلام ليس حكراً على الدولة ويجب ألا يكون كذلك، وإنما هي مسؤولية مناطة أيضاً بالقطاع الخاص كخدمة معرفية يقدمها للمجتمع.. ولو كان ذلك من باب المسؤولية الاجتماعية.
– ضرورة تدخل الدولة لدعم هذا الإعلام وتطويره، ليكون قادراً على مواكبة مرحلة إعادة الإعمار، سواء كان هذا الإعلام مملوكاً من قبلها أو الإعلام الخاص أو الإعلام الأهلي، إذا صحت التسمية.
وأشكال الدعم المطلوبة هنا، ليست بالضرورة مادية، فالدعم المهني المتمثل في إطلاق برنامج وطني لتأهيل وتدريب الصحفيين في القطاعين العام والخاص وعلى اختلاف الوسائل التي يعملون بها، يمثل أولوية استراتيجية، تحصد الدولة نتائجها من خلال نشرها للقواعد المهنية والاحترافية في صياغة المادة الإعلامية ونشرها.
قد يكون ما نطلبه صعب التحقيق خلال فترة زمنية قصيرة كما نتمنى، لذلك فالاقتراح البديل ينطلق من القيام بإسقاط ما سبق على صحيفة رسمية واحدة مثلاً، أو اختيار إذاعة معينة، أو قناة فضائية.. الخ، ومن ثم تقييم التجربة بموضوعية ومهنية ليصار لاحقاً إلى تعميمها على وسيلة إعلام أخرى.. وهكذا حتى نصل إلى إعلام “تقليدي” قادر على المنافسة والتأثير.
هامش: هناك صفحات للتواصل الاجتماعي كان لها تأثيرات إيجابية، وحاولت أن تقدم جهداً إعلامياً يعكس جزءاً من الواقع، وتالياً فهذه الصفحات هي التي يجب أن تحظى بالدعم الحكومي المتمثل أولاً وأخيراً بعمليات التأهيل والتدريب المهنية.
المصدر: سيرياستيبس
Post Views:
0