حكواتي الاصلاحية |
تصوروا لو تحصل الحكومة على إجازة أخرى طويلة، يرتاح فيها الوزراء والمستشارون، والعقول المفكرة لديها، ويأتون بعدها بأفكار جديدة مبدعة، كالقرض الوظيفي لتأمين المستلزمات المدرسية.
كتب ثامر قرقوط | أنجزت الحكومة عطلة عيد الأضحى بنجاح منقطع النظير، وفي أول يوم دوام لها، زفت خبر منحها القرض المذكور بقيمة 50 ألف ليرة للعاملين بالقطاع العام. لاتقللوا من أهمية هذا المنجز الحكومي، الذي أتى نتيجة الاستجمام والراحة، والتفكر والتبصر، وقراءة المستقبل، وتلبية الاحتياجات وتوفير الخدمات. ولاتربطوا ذلك بنهفات وسائل التواصل الاجتماعي، بأن الناس ينتظرون قرض المونة وقرض المازوت. أما غير العاملين فسيأتيهم غيث الحكومة لاحقاً، لأن الوزراء عادوا من إجازتهم الطويلة، غير المحببة على قلوب بعضهم، محملين بالأفكار الخلاقة.
حدثت معظم الاكتشافات العلمية المهمة في لحظات لايمكن تصورها، كقانون الجاذبية، إذ كان نيوتن يجلس تحت شجرة التفاح. وكذا قانون الأواني المستطرقة، الذي بسببه خرج أرخميدس عارياً من الحمام، وهو يصيح وجدتها وجدتها، كما تذكر بعض الكتب. ربما الفشل الحكومي مرده، عدم اكتشاف اللحظة المناسبة التي يجب أن يعيشها الوزراء ليبدعوا؟ وعلى ما يبدو، أن الاجازة هي كلمة السر.
للإجازات الطويلة فوائد جمة، كتخفيف عدد المواكب الوزارية، وتوفير الطاقة، وعدم اشغال العاملين بما لايلزم، وتركهم يعملون كما يجب. ومن نوافل القول، أن سورية من البلدان القليلة بالعالم، التي يكون يوم العطلة فيها أكثر انتاجية! ربما لأنه أقل فساداً. هكذا بررت حكومة سابقة، عند طرحها فكرة تعطيل الجهات العامة يومين بالأسبوع، وتحدثت عن مقدار الوفر المحقق.
تؤكد الدراسات العلمية الحديثة أن الإجازة هي الطريقة المثلى لتحسين الأداء الإدراكي للإنسان. وتنصح الدراسات النفسية بألا يتخذ الشخص قراراته وهو في حالة من التعب أو الغضب أو القلق أو الجوع. هذا يعني أن الوزراء الذين يعانون من هذه الأعراض، تأتي بعض قراراتهم متخبطة، عشوائية، غير دقيقة، وتنهمر الانتقادات عليهم.
ولدينا نماذج حية، فهناك وزارات أثارت مشكلات خلال الفترة المنصرمة، أكثر مما حلت من المشكلات. كالضيوف في الثقافة، والمناهج في التربية، والدورة التكميلية في التعليم العالي، أما في المالية فلعب الجوع دوراً سلبياً تجاه توفير موارد لزيادة الرواتب.
استندت معظم القرارات المصيرية، في الاقتصاد السوري، إلى أيام العطلات، وبعضها بدأ تطبيقه بيوم عطلة. فحكومة محمد ناجي عطري، أدخلت قرارها المصيري حيز التنفيذ عام 2008 في يوم عطلة (الأول من نيسان)، والقاضي برفع أسعار المازوت. واتخذت حكومة وائل الحلقي قرارات برفع أسعار المشتقات النفطية، وهي في فترة تصريف الأعمال ـ إجازة مفتوحة ـ فجاءت حكومة عماد خميس مرتاحة من عبء ثقيل.
الواضح أن مسؤولي البلد لايبدعون إلا في إجازاتهم الطويلة، ما يعني أن الوزراء يحتاجون إلى إجازات جماعية أو فردية، تسهم في تغيير آلية تعاطيهم غير الناجعة مع القضايا الملحة. فأوقات الراحة غير المملة، تحفز الابداع. ومن أين كنا سنعلم أن طرقات سورية أفضل من نظيرتها في سويسرا، لولا زيارة وزير النقل إلى جنيف؟
لنجرب، مادام اقتصادنا خاضعاً للتجريب، وبالتأكيد لن نخسر، إذا لم نكسب. وقديماً كان شعراء العصر الجاهلي يبدعون، على اعتبار أنهم يهيمون في وادي عبقر، والمعادل الموضوعي لهذا الفعل بالعصر الحديث هو الإجازة. فالواضح أن الابداع الحكومي، يحتاج حتماً إلى اجازة طويلة للوزراء. لنعطهم فرصة إذن.
Post Views:
0