الاصلاحية | خاص |
علينا الاستعداد نفسياً، وتهيئة الظروف المناسبة لإعلان التخلص من صناعة القطاع العام، فالمحبة العارمة للجناح التنموي الثاني في الاقتصاد الوطني، الذي يأتي بعد الزراعة، لا تشفع له أن يُقلِّع من جديد.
كتب ثامر قرقوط | هذا القطاع الذي أُكِّل لحماً، سيرمى عظماً في لحظة ما ـ ربما لن تكون بعيدة ـ إذ أن كل المؤشرات المتعلقة بهذا القطاع، لم تعد كافية للدفاع عنه، ولا ترقى لمصاف تكرار المطالب عينها، منذ ثلاثة عقود، وسماع الوعود ذاتها، لإيجاد حلول للمشكلات المتجذرة، من 13 وزيراً تعاقبوا على حقيبة الصناعة منذ 1987 حتى الآن، منهم 6 خلال الحرب. والأهم أننا لم نعد بحاجة إلى جلد النفس، وإلى فرش البساط الوثير لتمر عليه مواكب الفاسدين، فالمقولة الفجيعة: “القطاع العام الصناعي مُخسَّر”، هي الحقيقة الوحيدة التي قيلت بحق هذا القطاع.
لم تملك الحكومات المتعاقبة جرأة اعلان الوضع الحقيقي للقطاع العام الصناعي، وحافظت على خيط رفيع يمنع قطع الود النهائي، وتثبيت حالة الطلاق الأبدية مع هذا القطاع.
يعاني العام الصناعي من أخطاء كارثية، إذ صمم هذا القطاع بآلات مستوردة تكاد أن تكون “سكراب”، ووضعت له دراسات جدوى اقتصادية وهمية، تستند إلى منع استيراد المنتجات المماثلة، واشترطت أن يؤدي هذا القطاع دوراً اجتماعياً في التوظيف. كما لاحقته لعنة الخسارة الدائمة، على اعتبار أن الربح هو للنهج الاقتصادي الرأسمالي القبيح، ما أوحى للإدارات الصناعية المتعاقبة بأنه لاتوجد مشكلة مع الخسارة، فعملت هذه الادارات على تخسير معظم الشركات، حتى لايقال عنها إدارات رأسمالية، بينما هي ـ أي الادارات ـ تنتمي لحزب “اشتراكي”.
يحتاج هذا القطاع إلى معجزة حقيقية، ومع تراكم المشكلات، تكاد المعجزة لا تكفي. وعلى سبيل المثال، خسارة هذا القطاع 900 مليار ليرة، فيما الأرقام التقديرية اللازمة لاصلاحه واعادة اطلاقه، تكاد أن تكون سرية. وسجل باحث ومسؤول سابق رقماً مخيفاً بقوله: بلغت القيمة الاستبدالية للشركات العامة المدمرة 2600 مليار ليرة لغاية 2016. ولابد من الاشارة للفارق الجوهري، بين تقديرات الخسائر بسبب الحرب أو بسبب الفساد، ومن ثم تحديد احتياجات الاصلاح، فهناك 32 شركة تعمل، مقابل 46 مدمرة. والحكومة ليست بخيلة كما يظن البعض، وهي على استعداد لتوفير المال، وبهذا الصدد بلغت الموازنة الاستثمارية لوزارة الصناعة 30 مليار ليرة. بمعنى أن السير بهذه السرعة لن يؤدي إلى انقاذ هذا القطاع أبداً، ولن يسعف الزمن الراغبين برؤية قطاع عام صناعي سوري متألق، بل يمكنهم مشاهدة مراسم الدفن الحتمية.
آن لهذا الفارس الجميل أن يترجل، فكل المعطيات تؤكد أن اعلان الوفاة أقرب من إعلان خطط الانقاذ. ومع ذلك، ثمة فرصة حقيقية، وقد تكون من ذهب ـ وهي طوباوية من حيث الشكل ـ وتتلخص على النحو التالي، أن تحول الحكومة من اعتمادات الموازنة الاستثمارية للعام القادم البالغة 1100 مليار ليرة، كل ما تحتاجه وزارة الصناعة، وتقوم باصلاح الشركات، وبناء شركات جديدة بحاجة لها البلاد، كالاسمنت ومواد البناء لزوم مرحلة اعادة الاعمار. وبذلك تكون الحكومة خلقت ما لايخطر على بال، من فرص عمل، وتوفير منتجات، وعمل انتاجي حقيقي، بما يعني تحقيق ربح وفير، يمكن أن يرصد لقطاعات أخرى في الأعوام التالية. وبدلاً من أن يكون لدينا حكومة للفقراء، تكون حكومتنا صناعية. وهذا يتطلب أن تبدأ الحكومة بتفصيل (أفرولات) صناعية للوزراء، بدلاً من اللباس الرسمي لزوم المكاتب. فعلا شيء من الطوباوية يستحق التفكير، حكومة سورية صناعية، ولاحقاً انتاجية.
صار وقتا..
Post Views:
0