الاصلاحية | خاص |
عندما انطفأت شمعة جريدة السفير اللبنانية، استفاق السوريون “القراء” على فراغ ربما ما كانوا ليشعروا به لو أن إحدى صحفهم اليومية احتجبت عن الصدور، كان الحديث آنذاك يدور حول أفول عصر الصحافة الورقية، فيما كل الأنظار اتجهت إلى زميلتها “الأخبار” أن تلاقي المصير نفسه، لكنها بدت أوفر حظاً أو ربما كان القائمون عليها الأكثر صبراً على الاستمرار.
ما سر هذا الاهتمام ؟
يحتاج “القارئ” السوري إلى مرآة أخرى تعكس صورة مختلف مناحي حياته لا يمكن أن توفرها مرآة واحدة متمثلة بإعلامه المحلي، في الازمات وما يرافقها من ضبابية هنا وتعتيم هناك مرآة واحدة لا تكفي، عبارة تنبع من عمق الشغف في تتبع الرواية “الرصينة” إن لم نقل الكاملة، لحالة شعب خاض ويخوض سنواته العجاف وحيداً، تتلاطمه موجات إخبارية قادمة من جبهات القتال ودهاليز السياسة، كان لإعلام “الشقيقة الصغرى” نصيب وافر في توجيه وضخ تلك الموجات عبر أقنيته وفق روزناما سياسية متأرجحة على خط الصدع العربي والاقليمي وربما الدولي.
مع تراجع وتيرة المعارك وانحسارها، توجه الإعلام للتركيز أكثر على فائض “الخبريات” المتدفقة من يوميات الشارع السوري، “خبريات” تتلقفها بسطحية صفحات الفيسبوك، تعيد بعض المواقع الالكترونية التابعة لوسائل إعلامية لبنانية كالجديد والديار على سبيل المثال لا الحصر انتاجها تحت عناوين “مثيرة” غالباً ما تكون فضفاضة على محتوى إعلامي هزيل، طبعاً كل ذلك لا يحتاج إلى “إدارة” طالما أن مزاج الشارع الفيسبوكي بذاكرته القصيرة سريع الانقلاب والانقضاض على الفكرة ونقيضتها، فيعاود بدوره نشرها واستهلاكها.
من بيروت يطل “أهل الشام”..
في غمرة الفوضى المغلفة بالضجر غردت جريدة الأخبار خارج السرب وحجزت لنفسها موطئ قلم قريباً من يوميات المواطن السوري، ليطل ملف “أهل الشام” من بيروت “الكترونياً” صباح كل يوم جمعة منبثقاً من أوراقها غير العابرة للحدود، وعلى مدار 40 أسبوعاً منذ انطلاقته زار عبر كتابه من الصحفيين السوريين المقيمين في عمق المعاناة مساحات واسعة من الجغرافية السورية، ورصد أحوال الناس المعيشية والاجتماعية أفراحهم وأتراحهم همومهم وهواجسهم، نجاحاتهم وإخفاقاتهم، ناقش الموازنة العامة للدولة، وسلط الضوء على زوايا العتمة، وأشعل شمعة.
تقول الصحفية مرح ماشي مراسلة “الأخبار” إن فكرة “أهل الشام” أتت لتركيز العدسة على السوريين وهويتهم ومغالبتهم للحرب، وتضيف: كان المطلوب منّا التوقف عند ما يستوقفنا من وجوه وشخصيات ولقطات تستحق التوقف عندها وتسليط الضوء عليها، إضافة إلى الملفات التي عودت الأخبار قراءها عليها، والتي تُقدّم على مدار الأسبوع. ملفات تهم السوريين وقضاياهم، فتسلط الضوء على مشكلاتهم وتنقل صوتهم وشكواهم.
زميلها في “الأخبار” وأحد الأقطاب الأساسية في ملف “أهل الشام” الصحافي صهيب عنجريني يشير الى أن فكرة الملف عندما طرحت لم تأخذ كثير من المداولات، حماسة إدارة الجريدة كانت كفيلة بوضع الخطوط العريضة ومن ثم الانطلاق، بهذه المساحة الأسبوعية لصالح ظروف السوريين داخل سورية وخارجها بعيداً عن ضجيج المعارك وتداخلات السياسة، ثم عاد ليلفت انتباها إلى أن “الأخبار” كثيراً ما تناولت في صفحاتها اليومية ملفات خدمية سورية، ليبين أن عزل الملف كان الهدف من ورائه اضفاء الطابع الانساني البحت عليه، وديموته كانت كفيلة بلفت الأنظار.
الأخبار تُدار من الداخل..
طبعاً دون ذلك عقبات لصحفي يعمل من الداخل السوري لوسيلة إعلام خارجية وتحديداً ما يتعلق بالشأن المعيشي والاجتماعي للمواطن، هنا الزميلة مرح لا تعتبر نفسها مراسلة لوسيلة إعلام خارجية: “منذ بدء عملي مع جريدة الأخبار التقينا على الخط السياسي ذاته، وأشترك مع زملائي في بيروت في قضية المقاومة، يهتمون بصورة البلاد مثلي تماماً، وفي ايام المعارك والتغطيات الميدانية كانت قلوبهم معنا ومواكبتنا للأحداث تأخذ جل وقتهم حتى اوقات متأخرة من الليل لإعداد الجريدة وإرسالها إلى الطباعة.
وفي حديثها عن صعوبات العمل تقول مرح: “الصعوبات هي المسؤولون نفسهم، لأن تعاطينا مع ملفاتنا المطروحة ونمط الأسئلة وإدارة المحاور هي أمور غير مريحة بالنسبة لهم، وربما جرأة الطرح لدينا وتحررنا من الكثير من القيود ليست مطلوبة بالنسبة إلى بعض المسؤولين ممن لديهم هفوات أو يخشون الإجابة بشفافية، وتضيف: “في “الأخبار” نطرح كل الأسئلة ونثير الملفات التي قد لا يفضل المسؤول الحديث عنها. فتتم بين وقت وآخر حملات تذكيرنا أننا مراسلون لإعلام خارجي، ما يتطلب الحذر في التعاون معنا، فيما يذهب “صهيب” للتندر على آلية تعاطي المسؤولين معهم: “يتعاطون معنا كما يتعاطون مع أي من مشتقات التواصل الاجتماعي”.
ينتقل “أهل الشام” بمضمونه الرصين بسلاسة إلى العديد من المواقع الإعلامية المحلية والمصدر “الأخبار”، لتغص مواقع التواصل الاجتماعي بعناوينه وبعض مضامينه المشغولة بلغة إعلامية تبدو مختلفة وغنية بالاسقاطات والمقاربات، يوم الجمعة هو يوم عطلة السوريين سيقرأون واقعهم بعناية، ذلك سيرفع وتيرة اهتمام المعنيين.
تشير مرح إلى حالة لافتة بحسب وصفها هي أن المسؤولين رغم تعاطيهم غير المريح إلا أنهم يستشهدون بموادهم الصحافية و”يقتبسون” منها عبر منابر الإعلام الرسمي، والبعض يعتبره مرجعاً في بعض القضايا التي استفاضوا في الحديث عنها من الداخل.
يأمل “صهيب” أن تزيد مساحة “أهل الشام” على أوراق “الأخبار” يرى أن الملف السوري وتحديداً يوميات المواطنين تحتاج لأكثر من ملف وأكثر من صحيفة لتغطي مختلف جوانب حياته، وتبني “مرح” تمنياتها على سعة انتشار الجريدة لنقل الجانب الانساني الذي تقاربه موادهم الاعلامية إلى من يهمه الأمر، ولأن مرآة واحدة لا تكفي من بيروت نقرا “أهل الشام”، فالأخبار تدار من الداخل.
لأنو صار وقتا..
Post Views:
0