الاصلاحية |فهد كنجو |
غريب، عجيب، هذا المواطن مدخراته أحرجت السياسات الاقتصادية والنقدية الحكومية وأربكت كل خططها التنموية هو دائماً يفاجئها بمكتنزاته، وبذخه، وشرهه الاستهلاكي!!.
لا يكتفي بجرة غاز واحدة، طماع، يطارد سيارات توزيع الغاز أينما وجدها كل يوم ليشبع مخزونه من المادة 5 أو 10 جرات عـ “السقيفة”، ألم تروه بأم عينكم كيف أنه في غضون أسابيع اشترى كل حليب الأطفال من الصيدليات ووضعها على رفوف مطبخه وخلق أزمة جديدة، هو نفسه من أشعل كل مصابيح الانارة في البيت وطبخ جميع أصناف الطعام التي اشتهاها على طباخات الكهرباء ما أن عاد التيار الكهربائي، لم يثنه ارتفاع سعر كيلو البطاطا إلى 500 ليرة عن استجرارها بكميات كبيرة رغم علمه أنها لا تصلح للـ “مخلل”، يجول في سيارته يومياً في شوارع المدينة، ولا يهدأ له بال ما لم “يفلل” خزان الوقود مرتين على الأقل يومياً، وضع مدفئة مازوت في كل غرفة وربما على “البلكونة” ليصرف كل ما أمكنه من مازوت الحكومة المدعوم، لا يبارح كوات الأفران يحتضن ما يستطيع من الخبز ليتلفه في ثلاجته، وإذا ما شعر بتراجع الليرة، سيقف لساعات في الطابور الخامس أمام شركات الصرافة لشراء الدولار!، ذات مرة انخفض الدولار فخرج يهرول بدولاراته ليبيعها بالسعر الرسمي المرتفع فخلق مضاربة عكسية في سابقة لم تحدث في تاريخ الأزمات الاقتصادية!.
الشغف “الانفاقي” عند هذا المواطن العجيب حمل حكومته مشقة تأمين احتياجاته المفرطة من الغاز والمازوت والبنزين وحليب الأطفال والكهرباء وأيضاً الدولارات وحتى البطاطا !!، نعم البطاطا التي سبق للفلاحين أن تركوها مدفونة تحت التراب صيف العام الفائت، بعد أن انخفض سعرها دون كلفة انتاجها.
ثم يأتيك من يطالب الحكومة بتحسين معيشة المواطن، وزيادة رواتب الموظفين، تخيلوا معي لو أن راتب الموظف يعادل ألف دولار وليس أقل من 100 دولار كما هو الحال الان، ومطلوب منه أن ينفقه على الغاز والمازوت والبنزين و”البطاطا”؟!، تخيلوا أي كارثة ستحدث لخطط الفريق الحكومي الذي لا يألُ جهداً ويواصل الليل بالنهار لتأمين احتياجات مواطن دخله في أحسن أحواله 50 الف ليرة سورية، يتساءل احد المسؤولين “كيف تعيش أسرة من خمسة أفراد بهذا المبلغ؟!”، يأتي الرد من مسؤول آخر على شكل تصريح رسمي: “لو اكتفى بجرة غاز واحدة لما حدثت أزمة غاز”.. عدوى الردود تتوالى مسؤول حكومي آخر دعا المواطن للكف عن تخزين المنتجات الزراعية وشراء حاجته فقط، ذلك على خلفية ارتفاع سعر “البطاطا” !!، إذاً السر في مدخراته!!.
كم مرة اضطر حكام المصرف المركزي المتعاقبين خلال الأزمة الظهور لتهدئة روع المواطن وثنيهم عن شراء الدولار؟!، ثم ينفق وينفق على الكماليات وينعش سوق التهريب، لقد أنعش صناعة تجميع السيارات لأنه يرغب دوماً أن “يركب” سيارة آخر موديل!!.
كم هو عنيد هذا المواطن في الشتاء فاكهته المفضلة “مفركة البطاطا” والموز وعلى الحكومة أن تستورد، بينما نفسه لا تشتهي البرتقال والليمون فتغرق الحكومة في أزمة تسويقها، والعكس صحيح، في إحدى السنوات لجأت الحكومة لاستيراد الليمون الحامض في الصيف لتقضي “وحام” مواطنها المزاجي.
هذا المواطن الشره المبذر كلف حكومته المليارات لتجعله يتوازن قليلاً في إنفاقه، فاخترعت له بطاقة ذكية للبنزين، واضطرت أن توزع له مازوت التدفئة على دفعتين “منعاً للبعزقة” 200 لتر للشتاء و200 لتر للصيف، ثمن كل دفعة يساوي راتب شهر بالنسبة للموظف، ربما لاعتقادها أن مواطنها المسرف قد يأخذه الحال ويستحم بالمازوت!، ذلك بعد أن كانت رفعت أسعار تلك المواد إلى جانب الغاز 4 أو خمس مرات خلال سنوات قليلة، خلقت له مئات المشاريع السكنية على الورق لإعادة تصويب بوصلة “مدخراته”، وفتحت له البنوك على مصراعيها وسهلت إجراءات الإيداع دون جدوى، حتى أنها مؤخراً تفكر بطرح شهادات إيداع بمختلف أنواع العملات!!.
منذ سنتين والحكومة تحاول رسم خارطة استثمارات، إلا أن ميول مواطنها الانفاقية المنحرفة جرت المستثمرين إلى الاقتصادات الريعية (البنوك _ المولات _ المطاعم _ تجميع السيارات السياحية _ فنادق الـ 5 نجوم _ التأمين) !!.
هذا المواطن النقاق الجلاد الذي لا يكف عن جلد حكومته على وسائل التواصل الاجتماعي، يحب الحياة والإنفاق والتبذير لكنه يشتري قبره بيده، ويدفع الرشى ليتخصص بقبر “عَ حياة عينو”، حتى أوصل سعر القبر في مدينة مثل دمشق إلى أكثر من 2 مليون ليرة!.
لكن عن أي مواطن نتحدث؟!
تقول إحصائيات متداولة أكثر 80 % من السوريين تحت خط الفقر، وهؤلاء ليس لديهم مدخرات ومتوسط دخلهم الشهري لا يتجاوز الـ 40 ألف ليرة في أحسن الأحول، هذا الدخل يمكن تقسيمه (راتب شهر للمازوت 200 ليتر مرة واحدة _ راتب غاز إذا اشترى كل شهر جرة غاز _ وراتب للكهرباء _ راتب للمواصلات _ راتب للاتصالات _ يبقى لديه رواتب 7 أشهر ليأكل ويشرب ويلبس ويسكن ويتعلم ويستطب ووو الخ)، وعليه كل المشاريع الحكومية المتمثلة بـ “البطاقة الذكية” لضبط استهلاك المواد المدعومة، أو المصرفية لإعادة تصويب مدخراته، أو التقشفية أو اللاستثمارية أو أو هي بالأصل تستهدف بأحسن الأحوال نحو 20 % من المواطنين.
بطبيعة الحال إن الفريق الحكومي الذي لا يستطيع تأمين الاحتياجات الأساسية لموطن دخله الشهري اقل 100 $ ليس من مصلحته الحديث عن زيادة الرواتب، في الآونة الأخيرة كف المسؤولون الحكوميون عن فتح سيرة الرواتب وزيادتها “خيراً فعلوا”!!.
“سوريانا”
Post Views:
0