الاصلاحية |
كتب زياد غصن | لا أعتقد أن الجلسات، التي عقدتها اللجنة المكلفة بإنجاز قانون للإعلام في العام 2011، ستتكرر لجهة مهنية نقاشاتها، شفافية طروحاتها، وجرأة أفكارها.
لست متحيزاً لتلك اللجنة باعتباري كنت عضوا فيها، لكن يمكن الاطلاع على تسجيلاتها الصوتية، والمسودة الأساسية لمشروع قانون الإعلام، والتي تم تسليمها للحكومة آنذاك، للحكم على ما سبق.
في تلك الجلسات، التي ناهز عددها على 23 جلسة واستغرقت أكثر من 50 ساعة، كانت النقاشات تنطلق من مبادئ رئيسية تم الاتفاق عليها في الجلسة الأولى، ومن بين تلك المبادئ اثنين هامين:
-الأول يتمثل في تأكيد حق الصحفي في الحصول على المعلومة وتحليلها ومعالجتها ونشرها، وممارسة عمله بعيداً عن أي ضغوط، مع ضرورة إلغاء عقوبة حبس الصحفي في قضايا النشر.
-الثاني يعتبر القضاء هو السلطة الوحيدة المخولة في البت بقضايا النشر، والطريق الوحيد الذي يجب أن يسلكه أي شخص أو جهة تعتبر نفسها متضررة من نشر أي مادة صحفية.
وهذا ما تتضمنه جميع القوانين والتشريعات الخاصة بقضايا النشر في جميع دول العالم المتقدم، وقد اطلعت اللجنة آنذاك على تشريعات عدة في هذا الشأن، واستضافت صحفيين أجانب تحدثوا عن البيئة القانونية الناظمة لعمل المهنة في دولهم.
بناء على ذلك، فإنه من حق الصحفي الحصول على ما يحتاجه من معلومات وفق آلية حددها قانون الإعلام بوضوح، دون أن تشكل ممارسته للمهنة سبباً لتعرضه لضغوط أياً كانت… وهنا يكمن ما يميز الصحفي عن غيره في ممارسته للمهنة.
أما موضوع عقوبة الحبس، فقد تم إلغائها نهائيا من قانون الإعلام رغم قناعة البعض أن ذلك الإجراء يتعارض مع حقوق الأخرين، فقانون العقوبات العام يعاقب أي شخص يثبت قيامه بقدح وذم شخص أخر بالسجن مع الغرامة، فكيف إذا تم هذا القدح والذم عبر وسيلة إعلام يتابعها آلاف الأشخاص وأكثر ؟!.
بالمقابل، فإنه من حق أي مواطن بموجب الدستور والقانون اللجوء إلى القضاء في مواجهة ما يعتبره خرق الصحفي لقانون الإعلام، من خلال قيامه مثلاً بالقدح والذم أو نشر معلومات غير صحيحة وغير ذلك.
هذا الكلام لا يمكن أن يكون موضوع خلاف بين الصحفيين، لاسيما ممن لديهم تجربة مهنية طويلة، وهناك دعاوى قضائية كثيرة حركت في مواجهة صحفيين خلال سنوات ما قبل الحرب، ومع ذلك لم يتأثر نتاج هؤلاء أو تفتر همتهم المهنية…إذاً أين تكمن المشكلة؟.
المشكلة اليوم باختصار هي في التالي:
-إخضاع الصحفيين لقانون التواصل على الشبكة بحجة قيامهم بنشر مواد صحفية على شبكات التواصل الاجتماعي، رغم أن هذه المواد قد تكون نقلاً عن وسائل الإعلام التقليدية. والحل هنا يتمثل في إخضاع الصحفيين لقانون الإعلام أياً كانت وسائط النشر المستخدمة.
-الخلط بين العمل الصحفي وعملية النشر على شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا يتبدى من خلال حملة الانتقادات التي تنظم بين الفينة والأخرى على خلفية تطبيق قانون التواصل على الشبكة بحق بعض الناشرين على الشبكة، سواء تم ذلك على الصفحات الشخصية أو الصفحات المهتمة بالشأن العام.
الحل هنا هو في “قوننة” صفحات شبكات التواصل الاجتماعي المهتمة بالشأن العام من خلال الاتجاه إلى منحها اعتمادية أو ترخيص رسمي تبعاً لما طبقته بعض دول المنطقة كالإمارات العربية المتحدة، وتالياً إخضاعها لقانون الاعلام لتبقى الصفحات الشخصية وما ينشر فيها تحت سلطة قانون التواصل على الشبكة.
ومثل هذا الحل سيجبر الصفحات المهتمة بالشأن العام على السعي لتحسين أدائها المهني والالتزام بما نص عليه قانون الاعلام، ويعيد الصفحات الشخصية إلى وظيفتها الأساسية كواجهة شخصية للأفراد، وتاليا فهم يتحملون ما ينشر فيها استناداً للأنظمة والقوانين… لكن بالطبع ليس استناداً لقانون الإعلام.
-طول أمد التقاضي وما يشكله ذلك من إحباط للطرفين، فالصحفي ينظر إلى الدعوى القضائية باعتبارها إجراء كيدي يلجأ إليه البعض الانتقام منه أو للضغط عليه، والمواطن يعتبر الدعوى غير مجدية طالما أنها تحتاج لسنوات حتى يتم الفصل فيها.
إذا لا بد من إحداث محاكم للنشر، وهو ما جرى الاتفاق عليه سابقاً في اجتماعات اللجنة المشار إليها سابقاً، ومثل هذه الخطوة ستكون كفيلة بدعم خيار اعتماد القضاء كسلطة وحيدة في معالجة قضايا النشر، والأهم أنها ستسهم في تأهيل قضاة متخصصين في قضايا النشر.
المصدر: سيرياستيبس
Post Views:
0