الاصلاحية | يسرى ديب
تقول إحدى الروايات المتداولة إن اسم منطقة “”بيت جن”” يعود أصله إلى “بيت الجنة”.
وسواء صدقت الرواية أم لا، فالحقيقة أنه عندما تزور تلك المنطقة سرعان ما تكتشف أنها تستحق هذا الاسم، لأن الكثير من صفات الجنة التي يتم تداولها يمكن أن تجد لها شبيهاً في تلك المنطقة.
تبعد “بيت جن” نحو 50 كم عن دمشق إلى الجهة الجنوبية الغربية لريف دمشق، تنبسط أمام سفوح جبل الشيخ الذي يوفر لها مياه الثلوج الذائبة صيفاً وشتاءً، والتي تغمر جداولها وسواقيها، وحتى طرقاتها .. بالمياه.
تضيف تعرجات نهر الأعوج الذي ينبع من سفوح جبل الشيخ جمالاً إلى جمال “بيت جن”، وهو يتعرج ويتمايل عبر حاراتها وأراضيها، موفراً فائضاً إضافياً من الماء لسكان تلك المنطقة ومزروعاتها قبل أن يصل إلى مصبه في بحيرة الهجانة في الغوطة الشرقية.
أنى اتجهت تسمع صوت الماء المتدفق خلال الصيف، وهو من البرودة ما يكفي ليجعل مناخها معتدلاً، وهواءها بارداً، إضافة إلى تأمين مياه الري للمحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة والثروة الحيوانية، وليعطي إنتاجاً ذاع صيته بتميز مذاقه عن مثيله في مختلف المناطق، وهذا ما جعل الكثير من السكان يقصدون البلدة للتزود بحاجياتهم من تلك المنطقة.
أجور للعامة:
يعتمد سكان مزرعة وبيت جن وعددهم نحو 20 ألف نسمة على الإنتاج الزراعي الذي يعد رديفاً ومتمماً للعمل السياحي، إذ أن تلك المنطقة ما زالت تتعامل بساطة مع السياح، وتطغى على تلك المناطق سلوكيات غير جشعة كأن يقدمون التسهيلات لرواد السياحة الشعبية بأجور متاحة للعامة.
يضيف الزميل الإعلامي وأحد سكان “بيت جن” حسين السمان أن أبرز منتجات المنطقة الزراعية هي: الفول والبازلياء والثوم واليانسون والباذنجان والخيار والبندورة والبطيخ، وتلك المنتجات تزاحم عمل سوق الهال خلال المواسم لكثرة قاصديها، ثم يأتي المشمش والدراق والخوخ والإجاص والتفاح والكرز والفريز ليحتل موسماً جديداً، يليه التين والعنب، لتستمر المواسم على مدار العام.
جاهزون للاستقبال:
يبلغ عدد المنشآت السياحية ( مقاصف، واستراحات شعبية) نحو 250 مقصفاً، وتستطيع الأسر أن تصطحب كل حاجياتها وتمضي يوماً كاملاً في أماكن مخصصة للسياحة تغطيها الأشجار وتتخللها جداول المياه، حيث تتمكن العائلات من قضاء أوقات ممتعة في تلك المساحات المتجاورة، وبأقل التكاليف، بل إنه في كثير من الأحيان يمكن أن يقدم أصحاب تلك المحلات بعضاً مما تجود به أراضيهم من خضار وفاكهة كضيافة لزوارهم، إذ أن غالبيتهم لم يعتادوا على استثمار كل شيء كما في المناطق التي تمرست على الاستثمار السياحي في كل شيء، حسب تعبير بعض من التقيناهم من زوار تلك المنطقة.
صفعات الحرب:
كمعظم المناطق التي عايشت الحرب، تجد بين الطبيعة الساحرة آثار خراب ودمار.
تهجر سكان تلك المناطق لأكثر من 5 سنوات، رغم تأكيد رئيس لجنة المصالحة خليل أبو عساف أن تلك المنطقة كانت آخر ما انخرط في الحرب من بين المناطق المجاورة (2013) وأول من وافق على المصالحة في (2017) وأنه منذ ذلك التاريخ حتى الآن لم يحصل أي خرق، وأنه تمت تسوية أوضاع أكثر من 800 شخص من الشبان الذين عاودوا الالتحاق بالقوات الرديفة للجيش العربي السوري، ويصف أبو عساف الوضع في المنطقة حاليا بأنه أصبح آمناً تماماً، ويقول إن لجنة المصالحة تتابع حل حتى الخلافات الشخصية التي تحصل بين سكان المنطقة.
ترحيل الخراب:
لكن سنوات الحرب ولجوء البعض إلى حمل السلاح سبب أضراراً كبيرة في البنية التحتية للبلدة السياحية، وكذلك في الأعمال الزراعية والثروة الحيوانية بعدما هجر السكان مناطقهم.
رئيس بلدية “بيت جن” عماد قبلان يؤكد أن سكان المناطق عادوا إلى منازلهم، وأنهم عملوا على إزالة الردميات والقيام بحملات النظافة بمفردهم، وأن المعاناة الأكبر هي بسبب الأضرار التي تعرض لها الصرف الصحي في المنطقة، وأنهم حصلوا على موافقة استبدال شبكة الصرف الصحي في “بيت جن” بكلفة تصل إلى أكثر من 18 مليون ليرة، وهو مشروع سينفذ خلال الشهرين القادمين.
أضاف قبلان أن هنالك الكثير من الأضرار التي تحتاج إلى إعادة ترميم كحال الطرقات والمركز الصحي، والمدارس، ويؤكد أن الخدمة الأهم المطلوبة هي إعادة تركيب وتشغيل محولة الكهرباء خاصة للمناطق التي تقع عند رأس النبع، وأن المحولة موجودة وتحتاج إلى تركيب لكي يتمكن السكان من تقديم أفضل الخدمات السياحية، للمناطق التي تنتشر فيها المقاصف الشعبية والسياحية.
علاج الاتصالات:
شبكة الاتصالات أيضا في المنطقة تعرضت للتخريب، ويؤكد معاون ومشرف الإصلاح للمقاسم الألمانية والسويدية أسعد الشعبي أنهم عندما عادوا إلى أماكن عملهم اكتشفوا أن تجهيزات المقسم مسروقة كلها، وأن البناء متصدع، وقال إنه تم ترميم البناء بكلفة تجاوزت 18 مليون ليرة، وإنهم سيباشرون العمل بترميم الشبكة الأرضية التي ما زالت في مكانها على عكس الهوائية التي تضررت وسُرقت.
وأكد الشعبي أنهم يواجهون مشكلة حقيقية في تأمين تجهيزات للمقسم عوضاً عن التجهيزات التي سرقت، لأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلد تحول دون إمكانية استيراد المعدات المطلوبة، وأن هنالك مشكلة أيضاً في غياب شبكة الخليوي لأنها تجعل قاصدي منطقة رأس النبع معزولين، مع غياب كل أنواع التواصل في المنطقة التي تحتوي نحو 30 استراحة شعبية، وهذا أكثر ما يزعج السياح الذين يصل عددهم إلى نحو 3 آلاف سائح أسبوعياً خلال موسم السياحة الصيفي.
على “حسابنا”:
يضيف الشعبي أنهم شكلوا فريق عمل من أبناء المنطقة لمتابعة القضايا الخدمية ولإعادة الحياة إلى تلك المنطقة السياحية، وأن الحكومة قدمت لهم الدعم ضمن الإمكانات المتاحة، وأن هذا الفريق عمل بكل طاقاته وكل ضمن اختصاصه، وأنه من ضمن الخطط التي عملوا عليها استقبال الكثير من المجموعات السياحية على نفقتهم الخاصة.
رئيسة شعبة الترويج السياحي السابقة في مديرية ريف دمشق راما حتيت أكدت أن أغلب الوفود التي زارت معرض دمشق الدولي نظموا لها رحلات سياحية منها إلى “بيت جن”، وأنهم نسقوا مع بعض المكاتب السياحية لإضافة رحلة على حسابهم إلى “بيت جن” ليستمتعوا بجمال تلك المنطقة التي يسعى فريق من أبنائها إلى إعادتها لعالمها السياحي ومسح آثار الحرب عن أشجارها وثمارها ومياهها العذبة.
Facebook Comments