الاصلاحية | علي محي الدين أحمد
الاخراج هو تلك العملية التي تحول نصا مكتوبا الى شيء مرئي على الشاشة و المخرج الناجح هو من يجعل بصمته واضحة في اي لقطة يقدمها.
صحيح اننا كمشرقيين لم نرق لحرفية هوليوود أو حتى ايطاليا وفرنسا رغم مرور قرن على دخولنا مجال المرئي بكافة اتجاهاته ولكن تبقى لنا ومضات تحسب من ما أخرجه نبيل المالح في فيلم الفهد والذي اختير بين افضل مئة فيلم اسيوي في القرن العشرين مرورا بشراكة العقاد العظيم مع انتوني كوين في الرسالة وعمر المختار و ما قدمه دريد لحام في فيلمين ماغوطيين كبار هما الحدود والتقرير.
حقيقة إذا كان دريد لحام و نهاد قلعي وعبد اللطيف فتحي ورفيق سبيعي ومن بعدهم خالد تاجا و ياسر العظمة وعدنان بركات و أيمن زيدان قد شكلوا ارضية لنشر اللكنة السورية عربيا في ظل طغيان اللهجة المصرية وانتشارها بفعل الطرب أولا و السينما ثانيا و مد عبدالناصر و سعاله القومي ثالثا ،هذه الارضية للانتشار لم تكن لتستمر لولا وجود مخرجين لهم في الصبر باع طويل من العظيم خلدون المالح الى هشام شربتجي وتاسيسه مع ياسر العظمة لدراما اللوحات وصولا الى بسام الملا الذي ان اتفقت او اختلفت معه ولكنه ابتكر لونا خاصا به وخلق بيئة درامية مرتبطة باعماله لنصل إلى العراب الحقيقي للدراما السورية وهو الكبير هيثم حقي.
فهيثم هو من حمل الكاميرا وخرج بها الى الشارع و القرية وهو أول من تجرأ على أن يقدم عملا عن حلب في خان الحرير لتصبح الدراما الحلبية قيمة مضافة على درامانا التي كانت مقتصرة على لهجة واحدة ، وهو من تتلمذ على يده الراحل الجميل حاتم علي.
الغريب أن يبدأ الفنان سليم صبري حياته كمخرج و يصبح بعدها ممثلا و كأنه تبادل الادوار مع حاتم علي ،حقيقة يحسب لحاتم علي حرفيته العالية و التقنية الفريدة في الصورة بما يناسب النص والمرحلة التاريخية فقط عند حاتم علي كانت مرايا 98 لياسر العظمة مشهدان في الحلقة يفصل بينهما مقطع كرتوني لياسر في بصمة لا تنسى لمخرج قرر الرحيل دفعة واحدة.
مع حاتم علي يصبح الزير سالم مالئ الدنيا وشاغل الناس و يصبح ربيع قرطبة حسرة في قلب من اعتقد ان الاندلس مجرد قصائد لابن زيدون و ان ملوك الطوائف كانوا مجرد طلاب سلطة.
حاتم علي الذي خلد مسلسله احلام كبيرة بفيلم سينمائي اسماه العشاق و قال عنه يوما اردت توريط المنتجين في انتاج الافلام السينمائية ،حاتم علي الذي حول نصا عاديا لفادي قوشقجي الى مسلسل لا ينسى في على طول الايام ، هو من اظهر تيم حسن للضوء فلولا جرو كليب لم يكن نزار قباني و من جعل التغريبة الفلسطينية حتوتة للتاريخ الذي يحاول الجميع الهروب منه وهو من اخذ بيد الليث حجو و المثنى صبح ليصبحوا علامات فارقة في الاخراج التلفزيوني.
حاتم علي من الرجل س و اختفاء رجل و دوره الخالد في الجوارح بجزئه الأول، الى مخرج يقدم ما يحترم عين المشاهد في الملك فاروق وقلم حمرة وغيرها.
برحيل حاتم يتاجل مشروع تحويل مسلسل الزير سالم الى فيلم عالمي كما تاجل مشروع العقاد بفيلم عن ابن رشد.
برحيل حاتم علي تنتهي حقبة الجيل الواصل بين المؤسسين خلدون وهشام و هيثم و الليث والمثنى حقيقة كان حاتم جسر العبور بين الجيلين، حافظ على مسافة من قناعات الجميع في هذه الفوضى ولم يكن طرفا في اي سجال عقيم، هو من حول هالة والملك الى فيلم سيلينا و ظهرت فيه ميريام فارس بشكلها الأكثر احتراما.
اليوم تنطفئ الكاميرا وتسدل الستارة عن حياة مبدع كان احد اسباب دراستي للاقتصاد عندما لعب دور الدكتور اسماعيل في قوس قزح، اليوم يرحل حاتم علي عن عمر ناهز ابداعا الا فيلما لم يكتمل او مشاهد لم تمنتج كما يجب.
ان تصبح مخرجا تدير كاميرا ومجموعة ممثلين أمر عادي في زمن التقنيات الحديثة ولكن ان تجعل من مسلسل حديث الناس و ان يثقوا بأن اسمك على العمل كفيل بأن يجعله جديرا بالمتابعة عندها فقط تكون حاتم علي ،يا حاتم العظيم لماذا تركت اللوكيشن يتيما؟ هناك مخرجون جيدون وهناك حاتم علي واحد لم و لن يتكرر !
Facebook Comments